اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

الذي يرضي خالقه

قداسة البابا تواضروس الثانى

01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش

أوجد الله الإنسان، خليقته وصنعة يديه، بعدما أوجد له هذة الخليقة العظيمة كقصر فيه كل ملامح الإبداع والتميُّز. وامتدت حياة الإنسان، وتكاثر وأثمر على وجه الأرض أممًا وشعوبًا وقبائل وجماعات ولغات وثقافات وحضارات واكتشافات للعالم الجديد (مثل قارتي أمريكا وأستراليا)، وامتد في الأزمنة الأخيرة لاكتشاف القمر والكواكب الأخرى... وصار العالم الآن مكتظًا بسبعة مليارات من البشر.

وفي تطور مراحل عبادة الإنسان: بدأ يعبد الطبيعة كالبحر والحيوان والأشجار. ثم مرحلة أخرى مع الأوثان والأصنام بأشكال وألوان. ثم مرحلة ثالثة يعبد الإله الواحد الوحيد. ومع المرحلة الرابعة حيث الثورة الصناعية وصناعات عديدة، صار فيها العقل هو معبود الإنسان. وأخيرًا ومنذ حوالي ثلاثين عامًا أو أكثر قليلًا، ظهر المعبود الخامس وهو المزاج، حيث صار معبودًا خاصًا لكل إنسان، وأكبر دليل على ذلك اختراع التليفون المحمول cellphone or handy، والذي صارت أعداده تفوق أعداد البشر في المسكونه كلها! وأصبح الإنسان في عزلة، يعيش أنانيته في رقم التليفون الخاص به، حيث يقوده مزاجه فيما يفعل.

ووسط كل هذا كيف يكون سلوك الإنسان المسيحي الحقيقي؟؟ الذي بلا شك يتأثر قليلًا أو كثيرًا بكل المتغيّرات البيئية والاجتماعية حوله... ويظل السؤال من هو المسيحي الحق الذي وجوده يرضي خالقه العظيم؟؟

يمكن الأجابه عن هذا السؤال الحياتي من خلال ثلاث نقاط:

أولًا: المسيحي الحق الذي يرضي خالقه هو الذي يأخذ طبيعة المحبة من شخص المسيح كل يوم. فالسيد المسيح جاء إلى العالم من خلال الحب (يو3: 16)، وأوصى تلاميذه بالوصية الجديدة «أحبوا بعضكم بعضًا» (يو13: 34)، وفي كل معاملاته ومقابلاته كان الحب هو العامل الرئيسي المشترك في كل يوم.

أنظروا معي كيف أحب الجموع، وكيف أحب التلاميذ، وكيف أحب زكا، وكيف أحب السامرية، وكيف أحب المرأة الخاطئة، وكيف أحب نيقوديموس، وكيف أحب صالبيه، وكيف أحب التلميذ الذي أنكر الأيمان، وكيف أحب التلميذ الشكّاك... إلى آخر هذة القائمة الطويلة التي لا تُحصى من طبيعة المحبة. وربما يظهر السؤال: لماذا كل هذا الحب الذي أظهرة المسيح نحو الإنسان؟ الإجابة بسيطة: لأن الإنسان كائن جائع للحب، ويزداد جوعه كلما تغرّب عن مسيحه إلهه.

ثانيًا: المسيحي الحق الذي يرضي خالقه هو الذي يقاوم "نقص المحبة" في حياته، ونقص المحبة يأتي من الخطية، والخطية سواء فكرًا أو كلامًا أو فعلًا، ما هي إلّا نقص محبة نحو المسيح وبالتالي نحو الإنسان الآخر... فالذي يتكلم كلامًا فيه سخرية أو استهزاء بالآخر أو فيه تحقير أو تشويه للآخر فيما يعتقد أو يؤمن أو يثق، إنما يرتكب جرمًا وخطية، وهو إنسان ناقص في المحبة، وبالتالي يبعد عن مسيحيته وعن مسيحه ويحتاج أن يراجع نفسه. إننا لم نسمع أن المسيح سخر من إنسان أو شتمه أو شمت فيه.. كان المسيح ودودًا مع كل أحد حتى أصحاب القلوب الغليظة أو اليابسة.

يا من تريد أن تكون مسيحيًا حقيقيًا، امتلك قلب المسيح، واحترس من نقص محبتك أو ترك محبتك الأولى أو الأخيرة كما يعبّر سفر الرؤيا (رؤ2: 4).

ثالثًا: المسيحي الحق الذي يرضي خالقه هو الذي يبحث عن فيض المحبة، وعلامة فيض المحبة هي الاشتياق المتزايد نحو الأبدية. إن العمر الذي يعطيه لنا الله هدفه الامتلاء والفيض في المحبة. ومن هنا كانت الوصية التي تقدمها لنا الكنيسة في كل قداس: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.. لأن العالم يمضي وشهوته تزول" (1يو2: 15).

حقًا إن العالم الآن بمغرياته واختراعاته ومزاجه صار بعيدًا عن الأبدية والنصيب السماوي، وبدلًا من أن يفيض قلبه بالمحبة كلما نما، صار قلبه إلى جفاف المحبة، حيث يخترع لنفسه مفاهيم وفلسفات ومعسولات الكلام، ويعيش في سمو الحكمه البشرية التي هي أرضية نفسانية شيطانية تطيح بالإنسان وتخدعه حتى يظن أنه على صواب ولكن في الحقيقة هو تائه وضائع، وكلامه وأفعاله وكبرياؤه يفضحه أمام الله حيث له صورة التقوى ولكنه منكر قوتها التي هي المحبة الأمينة.

إن المسيحي الحق الذي يرضي خالقه هو الذي يؤثّر بالمحبة، ولا يتأثر بأكاذيب منتشرة، أو تشغله هلاميات في الميديا أو في غيرها.

وليست رسالته تأليب الناس ضد بعضها، وليست رسالته القول بما يجرح الآخريين أو يهينهم، وليست رسالته أو مهمته نقد الآخرين أو إهمال تشجيعهم أو تقديرهم.

إن كان المسيحي الحق الذي يرضي خالقه هو الذي له "طبيعه المحبة"، ويقاوم "نقص المحبة"، ويسعى في "فيض المحبة" نحو الملكوت، فإنه وعلى نفس الخط يعطي كل حياته لأجل المسيح كل يوم، وليس لأجل افتخاره أو ظهوره أو انتشاره أو حتى تفرده عن إخوته. أن محبته الحقيقية لله تتحول إلى محبة حقيقية للناس كما فعل بولس الرسول أمام أغريباس الملك (أع26: 28) أو مع أهل أثينا (1تس3).

كما أن محبته تجعله صانع سلام، وطوبى لصانعي السلام لأنهم أولاد الله يُدعون (مت5: 9)، حيث يزن كلمته أولًا قبل أن يتفوّه بها، ويقيس مقدار ما تصنعه سلبًا أو ايجابًا.

إنه إنسان يقظ فيما يقوله وفيما يفعل، وليس شيء يشغله سوى الكلمات الختامية في الكتاب المقدس «آمين. تعالَ أيها الرب يسوع» (رؤ22: 20).

كما أنه حكيم ويعرف مسئولياته تمامًا. يحمل بساطة الحمام وحكمة الحيات، في امتزاج لمجد اسم المسيح في كنيسته المقدسة.

وأخيرًا فإن حضوره بهي ومفرح سوء في الاجتماعات أو اللقاءات أو على الشاشات، لأن قلبه ولسانه ينبوع تعزيات.

وبناء على ما سبق، يستطيع المسيحي أن يقيم علاقاته مع الآخر والمختلف عنه بأيّة صورة من صور الاختلاف، سواء اجتماعيًا أو عقيديًا أو طائفيًا أو مذهبيًا أو علميًا أو فنيًا أو ثقافيًا، فالتنوع والاختلاف أحد سمات الحياة الإنسانية في كل زمان وعبر كل الأجيال.

و"الآخر" أمام الإنسان المسيحي قد يكون من الأقرباء بالجسد والنسب، أو يكون من الأصدقاء أو الزملاء المعروفين أو غير المعروفين، أو من الأحباء بأيّة صورة، ولكن ليس له أعداء من البشر لأن العدو الوحيد أمامه هو الشيطان والخطية..

وطوبى لأنقياء القلب الذين يحملون طبيعة المحبة، مجاهدين ضد نقص المحبة، ونامين في فيض المحبة، لأنهم يعاينون الله هنا على الأرض وهناك في السماء (متى5: 8).



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx