اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

التدّيُّن ليسَ مُجَرّد مَظاهِر

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش

هناك أشخاص يهتمون بالمظهر الديني أمام الناس، وحقيقتهم شيء آخر. ولا تنفعهم هذه المظاهر في شيء على الإطلاق..

ذلك لأن حقيقة الإنسان في جوهره، وليس في مظهره..

وكثيرون من الناس يمارسون ممارسات دينية عديدة من صوم وصلاة وتناول، وقراءات روحية واجتماعات كنسية، وخدمة. ومع كل ذلك ليست لهم حياة مرتبطة بالله. بل قد تكون بعض هذه المظاهر نوعًا من الرياء الذي حاربه السيد المسيح في توبيخه للكتبة والفريسيين الذين قال عنهم إنهم مثل قبور مبيضة من الخارج وبداخلها عظام نتنة (مت23). وقال عنهم أيضًا إنهم ينظفون خارج الكأس والصحفة لا داخلها!

نعم، هناك أشخاص مثل قبور مبيضة من الخارج، وربما نفس البياض أيضًا يكون قد سقط، وانكشفوا تمامًا...

بينما المهم هو حالة القلب والفكر من الداخل، ما هي؟ مهما تحدث الشخص عن حياة البر. وكما قال أحد الأدباء الروحيين: إن البعض يحدثونك عن السحب، وهم يتمرغون في الأوحال..! ذلك لأنه – بالنسبة إليهم – روحياتهم للتصدير الخارجي، وليست للاستعمال المحلي.

+       +       +

يقولون نحن أبناء الله، ويبدأون صلواتهم بعبارة "يا أبانا الذي في السموات". ولكن هل هم يسلكون كأبناء لله؟ وهل يعاملون الله كأب؟! هوذا الله يقول «فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟» (ملاخي1: 6). ومن جهة البنوة يقول القديس يوحنا الرسول «كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ» (1يو5: 18). بل «وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ» (1يو3: 9). وبهذا «أولاد الله ظاهرون». ويقول أيضًا «إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَارٌّ هُوَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ» (1يو2: 29).

فهل أنت تفعل البر؟ وهل أنت لا تستطيع أن تخطئ؟! أم أن البنوة لله مظهر تتباهى به، بلا فاعلية له في حياتك!!

وبنفس الوضع لقب "صورة الله ومثاله" (تك1)...

+       +       +

من أعمق العبارات في التسبحة، عبارة "قلبي ولساني يسبحان الثالوث" فهل أنت كذلك؟ أم أن لسانك يعبر عما ليس في قلبك؟!

ها أنت تقول للرب في صلاتك كل يوم "لتكن مشيئتك". فهل تقول هذا من قلبك، أم من لسانك فقط، بينما تسلك حسب هواك ومشيئتك الخاصة، وما أكثر ما تتذمر على مشيئة الله!!

وأنت تقول في صلاتك أيضًا "اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". فهل أنت تغفر حقًا؟ أم أن كلماتك في الصلاة مجرد مظهر لا يعبر عن حقيقة.

وأنت في كل يوم تتلو صلاة الشكر، وتقول للرب: "نشكرك على كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال". فهل أنت حقًا تشكر على كل حال؟ أم توجد حالات لا تشكر عليها أبدًا، بل تقابلها بالضجر والشكوى؟! وهنا قلبك ولسانك لا يتفقان، بل تقول كلامًا لا تعنيه! أم تعرف معناه ولا تقصده ولا تنفذه!

+       +        +

وأنت بلسانك تفخر بأنك مؤمن. فهل قلبك فيه هذا الإيمان؟

إن كنت مؤمنًا تمامًا فلن تخاف، بل تقول مع المرتل «الرَّبُّ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي الإِنْسَانُ؟» (مز118). وتقول «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مز23) وتقول «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟!» (مز27)... أما إن كنت تخاف، فليس في قلبك إذًا إيمان حقيقي بحفظ الله. أو ينطبق عليك قول الرب لتلميذه بطرس لما خاف من أمواج البحر: «يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» (مت14: 31).

وإن كنت مؤمنًا حقًا بأن الله فاحص القلوب وعارف بما في الأفكار، ويرى ويسمع كل شيء... حينئذ لابد تخجل أو تخاف من أن تفعل شرًا أو حتى تفكر فيه. ولكنك – بلا شك – أثناء خطيئتك، لا يكون الله في فكرك ولا في قلبك. وتكون ناسيًا قداسته ووصاياه. أين إذًا هو إيمانك أثناء ارتكابك الخطية. هوذا الكتاب يقول «وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي» (يع2: 18).

+       +        +

+ والأم في تعميد طفلها تجحد الشيطان. وتقول "أجحدك أيها الشيطان، وكل أعمالك النجسة، وكل حيلك الرديئة والمضلة..".

تجحد الشيطان بلسانها، فهل هي تجحده في كل أعمالها وأقوالها؟! أم أن جحد الشيطان هو مجرد طقس ومظهر من الخارج، وليست له فاعلية في الحياة، سواء للأم أو ابنها!!

+ ونحن في الكنيسة نُقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة...

والقبلة هي أعمق تعبير عن الحب. فهل نحن كذلك نحب بعضنا بعضًا هذا الحب المقدس، أم هذا أيضًا مجرد مظهر خارجي. بينما الحياة الروحية ليست مجرد مظاهر..!

+ ونحن نستخدم كلمة (السلام) باستمرار في خطاباتنا ومعاملاتنا. كل شخص نقابله نحييه بتحية السلام. وكل بيت ندخله – فحسب وصية الرب – نقول «سلام لأهل هذا البيت». وما أكثر أحاديثنا عن السلام، والمقالات التي نكتبها عن السلام، والمؤتمرات التي تُعقد لهذا الغرض.. ولكن هل نحيا في سلام. وهل العالم الذي يتحدث عن السلام يعيش في سلام؟ أم كلامنا عن السلام مجرد مظاهر!!

+       +        +

نحن أيضًا ندين الخطية ونستبشعها. ومع ذلك نفعلها!!

كلنا نؤمن بالبر والفضيلة، ونتكلم ضد الخطية والخطاة كلامًا قاسيًا شديدًا. فهل هذا مجرد مظهر، أم نبعد حقًا عن الخطايا؟

مثل اليهود الذين أرادوا رجم المرأة الخاطئة المضبوطة في ذات الفعل. كانوا هم أيضًا خطاة، وفي حماس ديني مظهري يريدون رجم الخاطئة. وقد كشفهم السيد المسيح بقوله لهم «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!" (يو8: 7). وانسحبوا جميعهم إذ كتب لهم خطاياهم. وقصة هذه الخاطئة تذكّرني بقصيدة قرأتها سنة 1940 في مجلة الشئون الاجتماعية، للشاعر فؤاد بليبل كتب فيها لامرأة خاطئة تبيع جسدها:

أَسَأَلتِ مَن نَبَذوكِ نَبذَ المُنكَـرِ        كَم بَينَهُم مِـن فاجِـرٍ مُتَسَتِّـرِ؟

الصائِمونَ المُفطِرونَ عَلى الدِما    الظامِئونَ إِلى النَجيعِ الأَحمَـرِ

إلى أن قال في تلك القصيدة أيضًا:

وَدَعَوكِ بائِعَةَ الأَثيمِ مِنَ الهَـوى      كَذَبوا فَإِنَّ الذَنبَ ذَنبُ المُشتَري

نعم فلولا أن هناك من يسعى لشراء الخطية، ما كانت توجد من تبيع لهم الخطية. ولكن للأسف الشديد، يختفي الشاري، وتُلام البائعة. ويطلب الكتبة والفريسيون رجمها، في مظهرية الدفاع عن العفة وعن تنفيذ شريعة موسى.

+       +       +

+ صورة أخرى من الاهتمام بالمظاهر، ما قد يحدث في أسبوع الآلام.

ندخل إلى الكنيسة في عمق مظاهر الألم: السواد في كل مكان، والألحان حزينة ومؤثرة. والقراءات أيضًا منتقاة، وتحمل كل التأثير من جهة آلام المسيح له المجد، وحمله لخطايانا، وجحود الناس له.. والشعب كله في خشوع تام، يشتركون في الألحان الحزينة.. ثم ماذا يحدث خارج الكنيسة؟ صورة مغايرة لهذه تمامًا. وقد يكون فيها الضحك والتندر! وكأن للمصلي شخصيتين إحداهما داخل الكنيسة، والثانية خارجها. داخل الكنيسة بمظهر الحزن، وخارجها عكس ذلك.

+ مثال آخر: الصوم في مظهره وفي جوهره:

نأخذ منه مظهر الطعام النباتي، وربما تُطهى لنا أطعمة شهية وفي نفس الوقت صيامية، ونعتبر أنفسنا بذلك صائمين لمجرد مظهرية الطعام النباتي؟! بينما قال دانيال النبي عن صومه «لَمْ آكُلْ طَعَامًا شَهِيًّا وَلَمْ يَدْخُلْ فِي فَمِي لَحْمٌ وَلاَ خَمْرٌ» (دا 10: 3).

+       +        +

نقطة أخرى أحب أن أقولها، عن الخدمة.

نتكلم أحيانًا عن الخدمة إنها قوية، ونسرد أحيانًا أنواعًا من الأنشطة التي نقوم بها. هذا مظهر، أما الجوهر فهو الثمر. لقد قال السيد المسيح لتلاميذه «اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ" (يو15: 16).

هل نظرنا إلى جوهر الخدمة في ثمرها: كم عدد الذين تأثروا ورجعوا إلى الله وتابوا؟ كم عدد الذين نموا وتقدموا في حياة البر؟ وكم عدد الذين صاروا خدامًا أو تكرسوا؟ وكم الذين قد صاروا قدوة لغيرهم.. هذا هو الثمر، وهو الجوهر.

+       +       +

أمور أخرى نذكرها كعبارات رنانة لها مظهرها..

+ تقول أحيانًا "أخي في الإنسانية". عبارة جميلة، حقًا، ولكن هل أنت تعامل هذا الشخص كأخٍ حقًا، وأخٍ في "الإنسانية".

+ تقول "الحياة في السماء أفضل جدًا" وهذا حق. ولكن إذا قربت أيامك لتذهب إلى السماء، أو أنذروك – وليس بشروك – بهذا، فهل تفرح أنك ستترك الأرض وتذهب إلى السماء؟! أم أنك ترتعش وتخاف!!

+       +       +

من أجل هذا كله فإن القديس بولس الرسول يقول عن أصحاب المظاهر «لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا» (2تيمو3: 5).

فما معنى "ينكرون قوتها"؟ لاشك أن للتقوى الحقيقية قوة: في حياة الشخص نفسه، وفي تأثيره على الآخرين وقدوته. وفي علاقته مع الله ودالته عنده.

من قوة حياة البر أن الناس يحبون الله بسببك، من شدة تأثير قدوتك فيهم. وأتذكر – بهذه المناسبة – أن أول أب كاهن أرسلته إلى أمريكا (القمص أنطونيوس باقي). قال له شعبه في كوينز "إحنا عرفنا ربنا، لما عرفناك". هكذا كانت قوة تأثرهم به...

أما قوة الدالة عند الله، في العلاقة بين الله وأبينا إبراهيم حينما عزم الرب على حرق سادوم (تك18). وعلاقة شبيهة مع موسى النبي، حينما أراد الله إفناء الشعب بعد عبادتهم للعجل الذهبي (خر32).

إن حياة البر، لا تظهر في أنك تمسك الإنجيل في يدك، أو تضعه في جيبك أو على مكتبك، إنما حينما يكون في قلبك. كما قال داود النبي للرب «خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ» (مز119: 11). بهذا تتحول إلى إنجيل متجسد، أو إنجيل متحرك.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx