اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

امتحنوا كل شيء (2) - عظة الأربعاء 15/11/2017م من كنيسة التجلي بمركز لوجوس بالمقر البابوي في دير الأنبا بيشوي

قداسة البابا تواضروس الثانى

01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش

تكلمنا المرة الماضية عن وصية الكتاب «امتحنوا كل شيء»، ولأنها موضوع مهم وكبير فقسمناها على جزئين. الجزء الذي تكلمنا فيه الأسبوع الماضي هو "في ماذا امتحن كل شيء؟"، وقلنا إنه يوجد خمسة مجالات يمكن للإنسان أن يمتحنها في حياته: 1- الإيمان، 2- الأقوال، 3- الأعمال، 4- الأسرار على رأسها سر الإفخارستيا، 5- التعليم أو ما نحصله في حياتنا.

وليوم نتكلم عن: ما هي المقاييس المتاحة لنا لنمتحن كل شيء؟

كيف تمتحن الأشياء؟ بماذا نقيس سلامة الأمور التي تواجهنا في حياتنا؟

الإنسان بصفة عامة منذ خلق آدم مر بخمس مراحل أساسية في رحلته الإيمانية.

1) المرحله الأولى بعدما خلق الله آدم، وابتدأ نسل آدم يتكاثر في كل مكان، عَبَدَ الإنسان في حياته الطبيعة: القمر، البحر، النجوم، الأشجار، الحيوانات... صارت الطبيعة هي الإله المتاح أمام الإنسان.

2) المرحله الثانية كانت عباده الأصنام، تماثيل من ذهب أو حجر أو نحاس أو نحاس مصبوب أو مُفرَّغ ويشعل بداخله نار، وعندما يحمرّ يقول إن الآلهه حضرت! وهناك أشكال كثيرة في التاريخ للأصنام.

3) إلى أن عرف الإنسان الإله الواحد في العهد القديم، وفي العهد الجديد رأينا محبة الإله الواحد في الثالوث، وعرفنا كيف كانت محبه الله للبشر «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد...» (يو3: 16)، وصارت المحبة هي الله، الله الآب، الله الابن، الله الروح القدس؛ المحب والمحبوب وروح الحب.

4) وعاش الإنسان هكذا، لكن بعد عدة قرون ابتدأ يشغّل عقله وينتج اختراعات، ثم جاءت الثورة الصناعية وما صاحبها من اختراعات عديدة، وبدأ الإنسان يحس بأن عقله عظيم جدًا، وكأن عقله العظيم هذا يستحق العبادة! واخترع الإنسان الكهرباء، والأجهزه الكثيرة مثل الراديو وهو من الاختراعات المبهرة. وصار العالم يمجد العقل، وساعدت الفلسفة في ذلك.

5) إلى ان ظهر في الثلاثين سنة الأخيرة (منذ حوالي 1985-1990) ما نسميه الإله الخامس وهو المزاج. وقد تتساءل: ما هو الفرق بين العقل وبين المزاج؟ الحق أن الفارق رهيب. العقل يمثل عقلنا كمجتمع أو كبشر، أمّا المزاج فيمثل الفردية، فردية الإنسان، وصار الإنسان يعبد فرديته ويعبد أنانيته.

سوف أعطيكم مثالًا على ذلك: من 20 أو 30 سنة كان هاتف واحد برقم واحد يخدم العشرات من الناس. ربما تليفون في إحدى الشقق يخدم كل الجيران. رقم واحد ويخدم كثيرين (عقل). أمّا الآن وقد ظهر اختراع الموبايل أو الجوال، وانتشر في حياه البشر لدرجة أن عدد أجهزة المحمول في العالم أصبح أكثر من عدد البشر أنفسهم! في مصر على سبيل المثال يوجد 110 مليون موبايل، بينما تعداد السكان حوالي 100 مليون إنسان! صار هذا الجهاز الصغير هو العالم الخاص بكل أحد. نحن نرى الكثيرين من الناس قبل أن يرشموا الصليب عند الاستيقاظ، يرى هاتفه المحمول. وأصبح شبه المستحيل أن يستغني أحد عن هاتفه المحمول ولو ليوم واحد.

صار الإنسان يعبد مزاجه، وطغت الأنانية. هذا هو حال الإنسانية اليوم. ويقول علماء الاجتماع أنه منذ اختراع الموبايل انتهى عصر "الإنسانية المتعاطفة، الإنسانية المهتمة بالآخر"، ولعل زيادة عدد الحروب والعنف والإرهاب والجريمة في العالم، نشأ من هذه النقطة.

وصار الإنسان يعيش في عالمه الخاص من خلال هذا الجهاز السحري، والذي لأتاح للإنسان أن يعيش به بعيدًا عن أي أحد، وازداد التفكك الأسري والطلاق... الخ.

كيف نمتحن كل شيء في عالم هذا وصفه؟ لذلك أريد أن أضع أمامكم خمسة مقاييس تساعدنا في امتحان كل شيء، وقياس مدى صلاحيته، وتساعدنا في الحكم على كل شيء.

(1) وصية الله (الكلمة المقدسة)

هي التي تستطيع أن تقيس سلامه الشيء الذي نعمله، والقرار الذي نأخده، أو الفكر الذي نفكر فيه، سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي. في تجربة السيد المسيح على الجبل، قاس أفكار إبليس بمقياس الكلمة المقدسة، وهزم بها عدو الخير «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمه تخرج من فم الله»، وهكذا صار المكتوب أو الوصية هي المقياس القوي لسلامة كل ما يُعرَض عليّ. ويجب أن يكون واضحًا أمامنا العبارة التي قالها القديس بولس الرسول «جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس»، فحتى وإن ظهرت الوصية أمامنا كما يدعي البعض أنها لا تتناسب مع عصرنا، لكن الوصية ثابتة ومقياسها سليم على الدوام.

وعند القياس يالوصية الإلهية، لايختار الإنسنا كلمتين أو ثلاث ويحكم بهم، بل ينظر للآية كاملة. مثال: يتكلم القديس بولس ويقول لتلميذه تيموثاوس: «وبخ انتهر عظ»، هذه كلمات حادة لو أخذتها بمفردها واعتبرتها هي المقياس، لكن باقي الآية يقول: «وبخ انتهر عظ بكل أناة وتعليم».

أمس ونحن في بداية السيمينار تحدثت عن مجمع أورشليم باعتباره أول مجمع في تاريخ الكنيسة، وكان يناقش مشكلة التهوّد، اليهود المتنصرون المتشددون وسميتهم مجازًا "كنيسة أورشليم"، في مقابل يهود آخرين كانوا يرون أن الأمم الراغبين في قبول المسيحية يمكن قبولهم فورًا. ودرس المجمع هاذين الرأيين، لكي تكون أمام الرسل الصورة كاملة للحكم. لذا يجب أن يقيس الإنسان الأمر بصورة كاملة متكاملة، لا يقطتع عبارة أو كلمات من سياق الحديث ويفهمها بمعزل عن الباقي فيكون الفهم ناقصًا.

(2) الإفراز والحكمة

موضوع الإفراز من الموضوعات الهامة، وهو مصطلح نسكي ورهباني. والإفراز هو الحكمة، كيف يكون الإنسان حكيمًا؟ كتاب الحكمة الذي هو سفر الأمثال، والذي يجب أن يُقرأ يوميًا، يُقرأ بحسب تاريخ اليوم، فمثلًا اليوم هو 15 فنقرأ الأصحاح 15، وعند نهاية الشهر نعيد قراءة السفر مرة أخرى وهكذا.

(3) اليقظة والانتباه

الخطية عادة ما يسبقها حالة من حالات الغفلة، فإذا كان الإنسان يقظًا منتبهًا، يميز المواقف التي تقابله، فإنه لا يسقط. نرى هذا أيام نحميا في بناء السور، حيث كان البناؤون يبنون، وسيف كل واحد على جنبه. يقظة الإنسان تجعله منتبهًا ل يمكن خداعه، وإذا تحيّر في موضوع ما فإنه يعطي وقتًا للتفكير مستفيدًا بعامل الزمن. أحد العوامل المهمة التي تساعد في اتخاذ الخطوات الصحيحة أن يعطي الإنسان وقتًا للتفكير ويكون طويل الأناة، فالصبر مهم مع اليقظة.

(4) المشورة

كلنا نعرف العبارة الآبائية الخالدة أن "الذين بلا مرشد كأوراق الخريف يسقطون سريعًا". المشورة مع الحكمة تحقق نجاحات كثيرة جدًا في الحياة. والإنسان مهما كبر لمنه دائمًا يحتاج لمستشارين. ونجد أن المسئولين محاطون ببعض المشيرين في مختلف التخصصات. بل أن فكره التوبة من خلال وجود أب اعتراف لتدبير حياة الإنسان الروحية، هذه الفكرة في حد ذاتها هي صيانة ووقاية لمسيرة الإنسان الروحية. الإرشاد والمشورة أحد وسائل الحكم على الأمور، ويقول القديس الأنبا انطونيوس: "كل عمل يعمله الإنسان يجب أن يجد عليه دليل أو مرشد من العهد القديم أو العهد الجديد".

(5) الصلاة

بلا شك الصلاة وفترات الهدوء أو الصمت في الصلاة التي يستمع فيها الإنسان إلى صوت الله، هي مقياس هام جدًا. حزقيا الملك واجه تهديدات ملك آشور، فبدأ يسكب نفسه أمام الرب في الصلاة، وجاءه صوت الله عن طريق إشعياء يقول له: «لا تخف من الكلام الذي سمعته مخافة...». الصلاة في حد ذاتها تكون أحيانًا وسيلة تعطي الإنسان تشجيعًا أو تعطيه نوعًا من الحافز في موضوع ما. لكن في نفس الوقت الصلاة قوه تساعد الإنسان أن يأخذ الخطوة التي سيأخذها وهو متكل على الله ذاته. نحميا النبي لم يلتفت إلى روح اليأس والإحباط التي بثّها الأعداء، بل نظر إلي السماء، وقال العبارة التي نحبها: «إله السماء يعطينا النجاح، ونحن عبيده نقوم ونبني». إله السماء من خلال الصلاه يعطينا النجاح مقدمًا، ونحن عبيده نقوم ونبني. لذلك فالصلاة مقياس قوي من أجل أي أمر تنوي أن تأخذ فيه قرارًا. ولمّا تصلي مع المشورة مع كلمه الله مع روح الصلاة، وتبدأ تأخذ خطوات في أمر ما، فثق أن هذه الخطوات ستكون صحيحة وفي محلها تمامًا، لا رجوع فيها ولا فشل.

امتحنوا كل شيء.. امتحن كل شيء تقابله في الحياه التي تعيشها.. نحن نتعرض لمختلف الأمور، وأصبح المزاج هو المتحكم، وكل إنسان له رؤيته وله نظرته وقراره وعقله الذي يفكر به، لكن ما يحكم على سلامة الأشياء ويساعدنا في الحكم عليها وامتحانها هذه الخمس وصايا: كلمة الله. الإفراز والحكمة. اليقظة والانتباه. المشورة المصحوبة بروح الفرح. وأخيرًا الصلاة. وحين تمتحنوا كل شيء، تمسكوا بالحسن... لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx