اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

ليأتي بثمر كثير

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

01 ديسمبر 2017 - 22 هاتور 1734 ش

داء الاكتفاء هو وباء روحي خطير متفشٍ في هذا العصر. هذا الداء كان علّة الفريسي الذي ظنّ بالخطأ أنه قد أكمل كل بِرّ فوقف يصلي قائلًا: «اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه» (لو18: 11-12). إنه داء الذي يقول: «إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء» في حين أنه «شقي وبائس وفقير وأعمى وعريان» (رؤ3: 17). فالشعور بالاستغناء يؤدي إلى الشعور بالاكتفاء، وبالتالي يعتقد المرء أنه لم يعد بحاجة للنمو والتطور، فيكفّ عن السعي والجهاد.

أمّا أبناء هذا الدهر فهم أحكم من أبناء النور في جيلهم. فالغني لا يكتفي بغناه بل يحفّزه هذا الغنى على السعي لامتلاك المزيد من الأموال. والذي يلعب القمار لا يكتفي بمكاسبه، بل يلعب ويلعب راجيًا المزيد. والذي يحصّل العلم لا يكتفي بشهادة علمية واحدة، بل يدرس ويدرس ليرتقي إلى أعلى الدرجات العلمية. والذي يأكل طعامًا لا يأكل ما يسد جوعه، بل يأكل ويأكل ما يفيض عن حاجة جسمه ويصيبه بالتخمة. لماذا إذًا لا يسعى أبناء النور إلى المزيد فيما يخص مسيرة جهادهم الروحي؟! لماذا صارت الشهية الروحية لهذا الجيل ضعيفة بل مفقودة حتى أصابه كل هزال روحي؟ هوذا السيد المسيح يُرسي بنفسه قاعدة النمو والتطور تلك قائلًا: «وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر» (يو15: 2)، أي أن الروح القدس يتوقع منا المزيد باستمرار، فلا يكفي أن نأتي بثمر بل أن نأتي بثمر كثير، وأن نتدرج من مرحلة المياه الواصلة إلى الكعبين إلى مرحلة النهر الذي لا يُعبَر (حز47: 2-5). وهذا بعينه ما أدركه بولس الرسول فقال: «ليس أني قد نلت أو صرت كاملًا ولكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع» (في3: 12).

لقد كان أمر أليشع النبي للمرأة الشونمية: «لا تقللي» (2مل4: 3)، وبمقدار ما جمعت من أوعية فارغة بمقدار ما أخذت، ولو كانت جمعت أكثر لكانت أخذت أكثر. صحيح أنه ليس بكيل يعطي الله الروح، إلّا أن الامتلاء بالروح مرهون بجهادنا وسعينا. وإن كان وعد الله لنا: «كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته» (يش1: 3) فإن ذلك يعني أنه كلما مشينا ودبّت أقدامنا في مواضع روحية جديدة لنسبر أغوارها كلما صارت ملكًا لنا!!

ومظاهر الاستغناء الروحي كثيرة ومنها: الاكتفاء بأصوام قليلة والاقتطاع من أيام الصوم، الاكتفاء بصلوات هزيلة والاقتطاع من مزامير السواعي، الاكتفاء بالطعام النباتي في الصوم دون الصوم الانقطاعي، الاكتفاء بحضور القداس مرة كل شهر أو عدة شهور، الاكتفاء بالاعتراف مرة كل عدة سنوات. وأخطر هذه المظاهر وأكثرها خداعًا هو الاكتفاء باقتناء الفضائل على مستوى التدبير الخارجي دون الاهتمام بالتدبير الداخلي لتنقية النفس من الأهواء الخبيثة المعششة في ثناياها لتكون مؤهّلة لمعاينة الله والاتحاد به.

ليتنا نستغل فرصة هذا الصوم المقدس لكي لا نحسب أنفسنا أننا قد أدركنا، بل نمتد إلى ما هو قدام عالمين أن ما هو قدام ليس له منتهى!




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx