اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون11 مايو 2018 - 1 بشنس 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 17-18

اخر عدد

"هذه اللطمة على خدك يا أرساني" - بمناسبة تذكار نياحة القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك

نيافه الانبا مكاريوس الاسقف العام

11 مايو 2018 - 1 بشنس 1734 ش

هذه العبارة صارت مثلًا بين اليقظين، وعنوانًا للتعلُّم بالتلميح، وهي عبارة تجمع بين حياء المتكلم وحساسية المتلقّي، فبينما يودّ الأب ألّا يكون التوبيخ أو التنبيه مباشرًا، يستجيب التلميذ ممتنًّا للأب الذي راعى مشاعره. إنه منهج ناجح في التدبير الروحي، فمع وجود أشخاص لهم حساسية خاصة تجاه التوبيخ المباشر، هناك آباء مُحنَّكون في هذا الصدد، يحافظون على مشاعر التلميذ من جهة ومن جهة أخرى لا يتوقعون نتائج فورية، إنه منهج يُتبع في التنوير من فوق المنابر، حيث يُوجَّه الكلام إلى غير شخص بالتحديد، ومن هنا يتقّبل التلامذة النصح براحة ورضى. ومع ذلك هناك أشخاص يناسبهم التصريح وليس التلميح، ليس لكبرياء فيهم وإنما عندما يحتاجون للرسالة الصريحة المباشرة. لعل ما كان من القديس أرسانيوس هو ما يُطلَق عليه في تراثنا الآن: "كل لبيب بالإشارة يفهم".

شوهد ذات مرة وهو يصغي إلى راهب بسيط، ولما أنكر البعض عليه ذلك وهو المتأدب بالرومية واليونانية (المقصود ليس اللغة تحديدًا وإنما الثقافة والآداب المتعلقة بها)، أجاب وقال إنه وإن كان قد اقتنى هذه المعارف إلّا أنه لم يصل بعد إلى "ألفا فيتا" في طريق الفضيلة التي لهذا المصري البسيط (يقصد بدايات الفضائل)، وربما كانت المناسبة هي تدبيره في الطعام، قال: "ها أنا قد تأدبتُ بسائرِ حكمةِ اليونانيين، أمّا حكمةُ هذا المصري بخصوصِ الأكلِ وحُسنِ تدبيرهِ فإني لم أصل إليه بعد". ويقول لراهب صديقه عن رهبان مصر: "إننا نعرف بعض الحكمة، ولكن هؤلاء الرهبان اقتنوا الفضائل بأتعابهم".

هكذا في المرتين اللتين آثر أب الجبل أن يلفت فيهما نظر الراهب المبتدئ أرسانيوس: المرة الأولى كانت عندما وبّخ الراهب الذي يختار الفول الأبيض، والثانية عندما وبّخ الأخ زينون بسبب ما اعتبره مرقًا في الإسقيط، مع أن الأخ لم يكن قد فعل سوى ترطيب الخبز ليسهل عليه بلعه؛ وفي المرتين وكأنّي بالقديس قد وضع يده على خدّه وهو يتمتم: "هذه اللطمة على وجهك يا أرساني".

هذا نراه في كثير ممن يتخلّون عن علمهم وفلسفتهم وغناهم ومجدهم ومراكزهم، أمام الكاهن البسيط والأشخاص الأبرار، ونجدهم في الكنيسة يسعون طالبين الصلاة بإلحاح واتضاع، بل ويظهرون جهلاء لكي يحكّمهم المسيح!! ويذكّرنا ذلك بما فعله القديس مقاريوس الكبير مع الصبي الراعي وكيف تعلم منه، عندما سأله ماذا يفعل وقد أكل عدة مرات وما يزال يشعر بالجوع، فصدمه الراعي بقوله: "لست أظن أنك حمار يا راهب"، وهنا ردّد القديس في نفسه: "حقًا إن كل من يأكل كثيرًا يشبه الحمار". ونقرأ كذلك عن المرأتين السكندريتين وكيف تبكّت من محبتهما لبعضهما البعض، وكيف كانتا في نفس درجته الروحية قدام الله، قائلًا في نفسه: "ولا مثل هاتين المرأتين الغريبتي الجنس لي محبة لقريبي". وكذلك تبكّت من الخياط الذي اعتقد في نفسه أن الجميع سيخلصون إلّا هو. وهكذا القديس أنطونيوس تسلم درس الغربة والوحدة من امرأة بسيطة، انتهرته بأنه يسكن موضعًا لا يصلح للرهبان.

إن شخصًا قد تنظر إليه فيفهم ويتضع، بينما آخر ولا المصارحة ولا حتى العقوبة تجدي معه، هكذا قال الرب: «ضَرَبتَهُمْ فلَمْ يتَوَجَّعوا. أفنَيتَهُمْ وأبَوْا قُبولَ التّأديبِ» (إر5: 3). وفي القراءة والسماع على الإنسان أن يعتبر أن كل كلمة تُقال هي مُوجَّهة له، مُعتبِرًا أنه لا يوجد غيره في الكنيسة، كما ولا يوجد خاطئ غيره في كل العالم.

وفي هذا السياق لابد وأن نمتدح طاعة التلميذ، الذي احتمل أن يستخدمه أب شيهيت لتعليم أرسانيوس، لا سيما وإن كان أحد لم يكتشف كواليس القصة؛ هنا أتذكر أن الأب المدبِّر كثيرًا ما يقسو على القريبين منه لأجل توصيل رسائل لآخرين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx