اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون22 يونيو 2018 - 15 بؤونة 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 23-24

اخر عدد

آباؤنا الرسل أعمدة الكنيسة

قداسة البابا تواضروس الثانى

22 يونيو 2018 - 15 بؤونة 1734 ش

صوم الرسل هو صوم الخدمة أو صوم من أجل نجاح الخدمة، ويجب أن نشترك جميعًا في هذا الصوم الذي هو من أجل الخدام والخادمات والآباء، ومن أجل كل من له عمل خدمة في الكنيسة. الكنيسة يا إخوتي ليست هي المباني فقط، ولكن الكنيسة كيان الروحي في التاريخ وفي الزمن.

تلاميذ السيد المسيح ونسميهم الآباء الرسل، وفي اللغة العربية يُطلق عليهم حواريون لأنهم بدأوا التلمذة بالحوار. لفد تتلمذوا على السيد المسيح، وتكوّن منهم أول كيان مسيحي على الأرض: التلاميذ الاثنا عشر، ثم السبعون، ثم بولس الرسول، ومجموعهم 83؛ وهؤلاء هم البذرة الأولى لوجود الكنيسة المسيحية عبر العالم كله، لذلك نحن نعطي الرسل كرامة كبيرة جدًا، ونطلب شفاعتهم بعد أمنا العذراء والقديس يوحنا المعمدان، وقبل الشهداء.

وأريد أن أتحدث معكم في الأسابيع القادمة عن "الرسل أعمدة الكنيسة"... السيد المسيح اختار الاثني عشر، وعند اختيارهم لم يذهب لأرقى مكان مثل الهيكل، ولا بحث عن ذوي الثقافة العالية أو التعليم الراقي، ولكنه اختار صيادين وبسطاء ومتى العشار، مِهَن كلها بسيطة، وأهم ما كان في هذا الاختيار هو القلب، فالله لا ينظر إلى العينين بل إلى القلب. ويجب أن نعلم أن الله هو من يختار، لكن الإنسان هو الذي يكمل الطريق ويحافظ على هذا الاختيار. فالسيد المسيح اختار يهوذا، لكن يهوذا فسد وخانه، واختار لنفسه الهلاك. وقيسوا على هذا في كل جيل وفي كل زمان وفي كل كنيسة، نجد يوحنا وبطرس وتوما ومتى.. ونجد يهوذا أيضًا. جماعة الـ83 تلميذًا فتنوا المسكونة، وقدموا اسم المسيح في كل مكان، وكان نصيبنا هنا القديس مار مرقس.

وأريد أن أحدثكم في ثلاثة نقاط عن الرسل أعمدة الكنيسة:

(1) آباؤنا الرسل عاشوا اختبار القيامة

لقد  عاش الآباء الرسل أحداث الصليب، وشاهدوا قيامة الرب، وهذا الاختبار قال عنه القديس بولس: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في3: 10). والهدف من الأصوام والصلوات التي رتبتها الكنيسة لكي تساعد كل إنسان أن يعرف المسيح أكثر وأكثر... الآباء الرسل عاشوا اختبار القيامة، بل وكرزوا بهذا الاختبار، لقد كان رأس مالهم الذي يخدمون به هو شيئ واحد فقط: أن المسيح جاء، ووُلِد، وصُلِب بسبب خطايانا، وغفر خطايانا وأعطانا الخلاص، وقام من بين الأموات. وجاء الرسل يبشرون بالإنجيل، ولا نقصد بهذا الإنجيل المكتوب، لكن البشارة، فكلمة إنجيل معناها البشارة المفرحة. الخلاصة أنهم عاشوا اختبار القيامة، وكرزوا بالإنجيل، وقدموا الفرح للعالم. العلامة التي تميز خادم المسيح أنه دائمًا في فرح، وهذا اختبار في غاية البساطة والسهولة لأي إنسان. أيها الحبيب إذا أردت أن تقيس مقدار معرفتك بالمسيح، قسها بمقدار الفرح الذي فك. هل أنت فَرِح أم مهموم؟ هل أنت سعيد في داخلك؟ هل داخلك مطمئن؟ أم دائمًا قلق؟ هل كلامك مفرح ويسبّب سعادة للآخر؟ هل كلامك يساعد الآخر على معرفة المسيح؟ هل أسلوبك وطريقتك وعملك وكلامك تفرح الآخر أيًّا كان هذا الآخر؟ أم أنك شخص يهوى أن يسبّب بالتعب ويحدث المشاكل؟

إذًا عندما نقول إن الرسل هم أعمدة الكنيسة، نعني أنهم أعمدة فرح. نحن نفرح كثيرًا في كنيستنا القبطية بالقديس مار مرقس، نفرح به في أي ّعيد أو أيّة مناسبة عبر السنة بأكملها. هم أعمدة للفرح، لكي ما تكون الكنيسة كيانًا مفرحًا في كل مجتمع تكون موجودة فيه.

(2) آباؤنا الرسل نالوا قوة وفعل الروح القدس

بعد صعود المسيح لم ينطلق الرسل للخدمة، بل بحسب وصية المسيح «فأقيموا في مدينةِ أورُشَليمَ إلَى أنْ تُلبَسوا قوَّةً مِنَ الأعالي» (لو24: 49). وجاء يوم حلول الروح القدس فنالوا هذه القوة. نالوا قوة وفعل الروح القدس؛ أريد أن أشرح باختصار شديد ماذا تعني كلمة "فعل الروح وقوة الروح القدس"؟

أولًا الروح القدس عندما يعمل في الإنسان المسيحي يحفظ فيه الوصية، ولا توجد وصية سوى وصية المحبة، فيجعلك الروح إنسانًا تحب كل أحد. والإنسان الذي لا يحب الجميع يوجد لديه شيء خاطئ، هو يعطّل عمل الروح بداخله ويعوقه، والوصية تقول: «لا تُطفِئوا الرّوحَ» (1تس5: 19). إذًا «تُلبَسوا قوة من الأعالي» هي قوة الروح القدس. الروح القدس يحفظ بداخلنا الوصية، ويجعل قلبك دائمًا يحب ومفتوحًا للجميع. ولا تنسَ أن السيد المسيح على الصليب كان يفتح ذراعيه وأحضانه لكل أحد، والسيد المسيح كان يقصد هذا. ونحن عندما نمسك الصليب، نتذكر أحضان المسيح المفتوحة بالحب لكل أحد. نتذكر قصة الابن الضال، وكيف استقبله والده وألبسه الحلة الجديدة والخاتم والحذاء، ولكن أهم هدية قدمها له هي أحضانه، أخذه في حضنه وقبله. الروح القدس يحفظ فينا وصية المحبة مستمرة دائمًا، مع كل أحد، في كل وقت، في كل زمان، في كل مكان.

الروح القدس أيضًا ينقّي القلب حبًا، بمعني أن الروح القدس يساعدني أن أنقّي قلبي بالحب، كما نصلي ونقول: «قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّده في أحشائي»، فالروح القدس ينقّي القلب حبًا. وكلمة التنقية أو النقاوة توجّه الذهن إلى التوبة، والروح القدس يحرّك روح التوبة فينا. التوبة ليست مرحلة تعبر وتنتهي، أو لها مواسم، ولكنها في كل وقت، والروح القدس يقوم بهذا العمل.

الروح القدس أيضًا يثمر الفضيلة حبًا، محبتك لشخص المسيح تجعلك تمارس الفضيلة، أو ما نسميه "ثمر الروح": «وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ» (غل5: 22). في نفس الأصحاح (غل5) توجد قائمة من 17 خطية وقائمة من 9 ثمار للروح القدس. الروح القدس يثمر الفضيلة فينا حبًا، ومحبتك للمسيح تنشئ محبة للناس، وتجعلك فرحًا ووديعًا وعفيفًا، تعيش الصلاح ولك الإيمان.

«تُلبَسون قوة من الأعالي» تعني أن الروح القدس يعلمك أن تخدم حبًا. لا يوجد دافع آخر للخدمة غير الحب، لا يوجد في الخدمة ترقية أو شهرة، ولا أن أكون صاحب كلمة أو مسئولًا.. لا يوجد هذا.

أحيانًا أتساءل مع نفسي: حين أتى مار مرقس من ليبيا، وسار عبر حدود طويلة مئات الكيلو مترات في الصحراء، ما الذي دفعه لسير كل هذه المسافة؟ بالمناسبة ليبيا يوجد بها وادٍ اسمه "وادي الإنجيل" وآخر "وادي مرقس"، وثالث "وادي الأسد"، وأهل ليبيا يعرفون قيمة مار مرقس فهي مسقط رأسه... ماذا كان يدفعه ويحركه دون كلل أو ملل أو عدم شعور بالتعب دون جدوى أو وجود نتجية أو ثمر لتعبه؟ لقد أكمل سيره، ورجاؤه ويقينه ودافع الخدمة في داخله هو الحب، الحب دفعه إلى الإسكندرية، ومن الإسكندرية تنطلق الكرازة لمصر ولكل أفريقيا.

لذلك يأتي الصوم لكي نُنهض الجميع بالتذكرة، وينهض كل واحد ليقدم مساهمته في خدمة الكنيسة والصوم يجعلنا منتبهين لأنفسنا، ونرفع قلوبنا بالصلوات أكثر، ونمارس العبادات والقراءات والألحان، ويكون الإنسان شعلة نشاط من أجل خاطر خدمة الكنيسة.

(3) آباؤنا الرسل أسّسوا كنائس في كل العالم

هؤلاء الرسل - أعمدة الكنيسة – أسسوا كنائس في العالم كله. كانت البداية في أرشليم، ومن أورشليم انطلق التلاميذ وأسسوا الكراسي الرسولية: أورشليم والإسكندرية وإنطاكية وروما والقسطنطينية. ورأينا الروح يحركهم، أرسل مار توما إلى الهند، ومتى لإثيوبيا، ومار مرقس لمصر، ومار بطرس ومار بولس إلى إنطاكية وروما، وأندراوس إلى أرمينيا... وبدأ الروح يوزعهم، فأسسوا الكنائس، وتلمذوا النفوس، وبدأت هذه الكنائس تنمو.

ونشكر الله أن في أفريقيا جاء إلى بلادنا القديس مار مرقس، الذي كرز واُستُشهد على أرض مدينة الإسكندرية عام 68 ميلادية، أي منذ حوالي 1950 عامًا. ومنذ خمسين سنة، في حبرية القديس البابا كيرلس، عادت رفات مار مرقس لمصر، وله مزار لدينا، وأُنشِئت الكاتدرائية في مناسبة رجوع الرفات وافتتاحها. الكاتدرائية عمرها خمسون سنة، ومارمرقس اُستُشهد من 1950 سنة. نفرح بمار مرقس الذي جاء بمفرده مشحونًا بقوه عمل الروح، أتي إلى الإسكندرية، المدينة الذائعة الصيت، والمتعددة الثقافات (وهذا هو غنى بلادنا)، وبدأ يتحدث ويكرز باسم المسيح لكل أحد، وانتشرت البشارة باسم المسيح، وتكوّنت الكنيسة القبطية المصرية التي أسسها أحد رسل المسيح لتصبح أقدم مؤسسة شعبية على أرض مصر، وهذا فخر لنا. وعبر تاريخها الطويل قدمت كنيسة الإسكندرية معلمين في اللاهوت، وشهداء في الإيمان، ونُساك ورهبان في الزهد وحياة التقشف والنصرة على العالم.

خلاصة الأمر

أيها الأحباء إن الرسل هم أعمدة الكنيسة، وهذه الأعمدة ليست البنيان المادي، وليس المقصود البناء المادي للكنيسة، ولكن المقصود هو الكيان الروحي. وطوبى لكل كنيسة يعيش خدامها وشعبها وآباؤها اختبار القيامة، وفرح الكرازة بالإنجيل، وينالون قوة عمل الروح القدس في حياتهم، وذلك من خلال تأسيسهم كنيسة وهيكلًا في كل قلب، هذه هي خدمتهم: تأسيس هيكل لله وقلب نقي لله في كل إنسان.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx