اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السادسة والأربعون20 يوليه 2018 - 13 أبيب 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 27-28

اخر عدد

محاسَبة النفس - مجلة الكرازة - 15 أغسطس 2003 - العددان 25، 26

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

20 يوليه 2018 - 13 أبيب 1734 ش

أهميتهَا:
في الحقيقة إن كل ما يصدر عنّا من أعمال أو أقوال أو أفكار، يقابله ثلاث محاسبات: حساب من الله، وحساب من الناس، إن كان العمل ظاهرًا للناس. وحساب من أنفسنا لأنفسنا (من الضمير).
وإن كان البعض يحاولون أن يهربوا من محاسبتهم لأنفسهم، إلا أنه من الخير لنا أن نحاسب أنفسنا وندين أنفسنا. ولا نسمح خلال ذلك بأيّة اعتذارات أو تبريرات تقلل من المسئولية أو تلغيها..!
قال القديس الأنبا أنطونيوس: "إن تذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله". بمعنى أن الطريقة التي تشعر بها أن الله ترك خطاياك، وما عاد يذكرها، هي أن تجعل خطاياك ثابتة في ذاكرتك..
وقال القديس الأنبا أنطونيوس أيضًا: "إن دِنّا أنفسنا، رضي الديان عنا". وقال القديس أبا مقار الكبير: "اُحكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك".
إن جهاز الإدانة الذي سمح الله بوجوده فينا: وظيفته هي أن ندين به أنفسنا، لا أن ندين به الآخرين. كما أنه سمح أن توجد بين غرائزنا غريزة الغضب، لنغضب بها على أخطائنا، وعلى الخطية عمومًا، لا أن نغضب بها على الآخرين.
لاحظ نفسك:
قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف: «لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك. لأنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16).
تصوروا أنه يقول هذا – ليس لشخص عادي – بل لأسقف! فإن كان لابد للأسقف أن يلاحظ نفسه، فكم بالأولى باقي الناس.. ثم هو يقول له نفسك (قبل التعليم). لأنه إن لم يلاحظ نفسه، فتعليمه لن ينفع بشيء!.. أما نحن فمن عادتنا أن نلاحظ الآخرين كيف يتصرفون! ولكن الرسول يقول "لاحظ نفسك..".
وملاحظة النفس معناها أن تضعها تحت مراقبة دائمة.
+ تلاحظ ما الذي يحدث داخل نفسك من أفكار ورغبات ونيات. وما يصدر عنك من تصرفات. وليس فقط تلاحظ نفسك في فترة محددة، وإنما "داوم على ذلك".. ولاحظ نفسك لأنها تقبل منك المراقبة والمحاسبة، بل تقبل أيضًا التبكيت والتوبيخ. وقد لا تقبل هذا من الغير..
+ لاحظ نفسك من جهة الخطايا التي ترتكبها، ومن جهة الفضائل التي تنقصك، والواجبات التي عليك أن تعملها ولم تعمل. وبخاصة من جهة الفضائل الكبار كالتواضع والوداعة والإيمان، وثمار الروح التي وردت في (غل5: 22، 23). إذًا تلاحظ نفسك من جهة الإيجابيات، وليس من جهة السلبيات فقط.
+ لاحظ نفسك أيضًا من جهة الوقت كيف تقضيه.
+ لاحظ نفسك كذلك من جهة النمو في حياتك الروحية.
فهل روحياتك تنمو، أم وقفت عند حدٍّ وتجمّدت؟! بينما الرب يقول «كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت5: 48).
إننا نقول في الصلاة الربية كل يوم "أغفر لنا خطايانا". وربما نحن نقولها وليسب في ذهننا ما هي تلك الخطايا!! ولكننا بمحاسبة النفس ندركها. ونسردها في ذهننا أمام الله، وقد نصحبها بمطانيات.
+ حاسب نفسك على كل أنواع الخطايا: على خطايا الحواس، وخطايا الفكر، وخطايا العمل، وخطايا القلب كلها.. على خطاياك تجاه الآخرين، وتجاه الله، وتجاه نفسك..
+ حاسب نفسك بالأكثر على الخطايا الثابتة فيك، التي تحولت إلى طباع أو عادات. التي ترتكبها باستمرار، وتشكّل جزءًا دائمًا في اعترافاتك المتكررة..
+ حاسب نفسك من جهة قراءاتك، ومن جهة فهمك..
+ حاسب نفسك أيضًا من جهة الخدمة وعمل المحبة نحو الآخرين:
من جهة تنفيذك للآية التي تقول «كنت جوعانًا فأطعمتموني. كنت عطشانًا فسقيتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فزرتموني..» (مت25: 35، 36). والآية التي تقول: «الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامي والأرامل في ضيقهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم» (يع1: 27). وأمثال هذه الآيات..
+ حاسب نفسك بكل جدية وحزم، ولا تدلل نفسك.
ولا تقل الظروف كانت ضاغطة! أو كنت مضطرًا ولم يكن أمامي حلَ، أو فعلت ذلك سهوًا.. وما أشبه.. إنك إن فعلت هذا، لن تتوب!
نتائج محاسَبة النفس:
محاسبة النفس ومعرفة خطاياها ونقائصها، تسبّب الانسحاق. وفي انسحاق النفس يوجد التواضع والدموع والتوبة.
هناك أشخاص لا يتوبون، لأنهم لا يشعرون بسوء حالتهم. وكل ذلك لأنهم لا يحاسبون أنفسهم. أما الابن الضال فلما حاسب نفسه، ووجد أنه في حالة أقل من أُجَراء أبيه، قادته هذه المحاسبة إلى التوبة، وإلى الانسحاق، فقال: «أقوم وأذهب إلى أبي. وأقول له اخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا. أجعلني كأحد أجرائك» (لو15: 18، 19).
+ داود النبي – في محاسبته لنفسه – كان يقول «خطيئتي أمامي في كل حين» (مز51: 3).
قال ذلك بعد أن سمع بمغفرتها على فم ناثان النبي (2صم12: 13). ولكنه كان يقول «في كل ليلة أعوّم سريري، وبدموعي أبلّ فراشي» (مز6)، «مزجت شرابي بالدموع»، ويقول للرب «دموعي في زق عندك» (مز119) «أنصت إلي دموعي»...
+ أنظروا كم أوصلته محاسبة النفس إلى الذل والتواضع والتوبة والدموع.. ولكن البعض قد يتوبون، ثم يرجعون إلي الخطية مرة أخري. ذلك لأنهم لم يتذللوا بسبب خطاياهم. وأسرعوا إلى حياة الفرح، فنسوا خطاياهم وما عادوا يذكرونها..
+ محاسبة النفس تقود إلى تبكيت النفس وإلى معاقبتها أحيانًا.
إن لم ينل الإنسان عقوبة أرضية من الله بسبب خطاياه، ولا عقوبة من أب اعترافه، فإنه كثيرًا ما يعاقب نفسه: ليس فقط بتبكيت الضمير، والدموع كما فعل داود النبي.. بل أحيانًا بالأصوام والتذلل، وأحيانًا بالمطانيات، أو بمنع ذاته عن كثير مما يشتهيه.
أما إن كانت محاسبة النفس، تنتهي إلى مجرد الاعتراف بها ونسيانها، وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن النفس لم تتدنس مطلقًا بالخطية، دون إذلال داخلي.. فما أسهل أن يرجع الإنسان إلى الخطية مرة أخرى، لأن ثمارها المرة لم ترسخ في أعماقه. مثل هذا الإنسان، قد يأكل من الفصح، وليس "على أعشاب مُرّة" كما أمر الرب (خر12: 8).
+ بمحاسبة النفس يصل الشخص إلى حياة التدقيق، وإلى الحرص، وإلى مخافة الله..
يصل إلى التدقيق، إذ كان يحاسب نفسه بتدقيق وليس بتساهل، وإذا كان يكتشف كم هي الخطية مرة، وكم تحوي بعض الخطايا المركبة العديد من الخطايا..
وبمحاسبة ذاته يصل إلى مخافة الله، إذ كان يدرك أن الخطية موجهة إلى الله، ومرتكبة بغير حياء أمامه، كما قال داود النبي للرب «إليك وحدك اخطأت، والشرّ قدامك صنعت» (مز51: 4). وكما امتنع يوسف الصديق عن الخطية قائلًا «كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تك39: 9).
وبوصول الإنسان إلى حياة التدقيق، يبعد عن الخطوة الأولى التي تقود إلى الخطية، ولا يدع مجالًا للثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش2: 15). ولا يستهين بكلمة (رقا)، ولا بكلمة (يا أحمق)، لأن الرب قد أورد عقوبة كل منهما (مت5: 22)، ولا بمجرد النظرة الخاطئة (مت5: 28).
+ وبمحاسبة النفس وتذكر خطاياها، يكون الإنسان مستعدًا أن يتقبل النقد من الآخرين وإدانتهم له.
حدث ذلك لداود النبي لما سبَه شمعي بن جيرا بكلمات لاذعة وشامتة وكان يرشق بالحجارة. وأراد أحد رجال داود أن ينتقم لتلك الإهانات ويتقدم لقتل شمعي بن جيرا. فمنعه داود بقوله له «دعوه يسب، لأن الرب قال له: سُبَ داود» (1صم16: 5-10) متذكرًا بذلك خطاياه وما تستحقه من عقوبة.. هذه الخطايا التي جعلها أمامه في كل حين.
أما الشخص الواثق بنفسه المعتد بذاته، الذي لم يحاسب نفسه على خطاياه، فإنه لا يحتمل مطلقًا كلمة نقد، ويعتبرها جارحة لكرامته تشوَه صورة نفسه الجميلة في عينيه!!
+ محاسبة النفس تساعد أيضًا على إصلاح الذات وتقويمها.
وكما أن معرفة المرض أو تشخيصه إنما تساعد على العلاج، فكذلك محاسبة النفس ومعرفة خطاياها ونقائصها، إنما تساعد على وضع التداريب الروحية اللازمة لمعالجة النفس، مع عرض كل ذلك على الله لأخذ معونة منه على التخلص من تلك الخطايا والنقائص.
وبدون محاسبة النفس، يبقى الخاطئ حيث هو في عيوبه الروحية، لا يعرفها ولا يعالجها..
لذلك فالشيطان هو الذي يُبعد الإنسان عن محاسبة نفسه، حتى لا يتنبه للعيوب التي فيه فيعمل على تلافيها.
+ بمحاسبة الإنسان لنفسه ومعرفة خطاياه، تجعله يشفق على المخطئين ولا يدين غيره إن سقط..
بل يقول لنفسه: أنا أيضًا قد سقطت، وما أسهل أن أسقط مرة أخرى. فكيف أنسى خطاياي، وأركز على خطايا غيري؟!
فهكذا فعل القديس موسي الأسود، حينما دُعِيَ إلى حضور مجمع لإدانة أحد الإخوة، فذهب إلي هناك وهو يحمل زمبيلًا مملوءًا بالرمل ومثقوبًا تنزل حبات الرمل منه. وكان يقول "هذه خطاياي وراء ظهري تجري، وقد جئت لأدين أخي"!! وفي هذا المجال قال القديس بولس الرسول «أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد» (عب13: 3).
مناسَبات محاسَبة النفس:
+ حاسب نفسك كل يوم، لأنك كل يوم تخطئ. وكل يوم تقول للرب في صلاتك "اِغفر لنا خطايانا". ويقول القديس يوحنا الرسول «إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نصل أنفسنا وليس الحق فينا» (1يو1: 8). إذًا حاسب نفسك كل يوم، "وداوم على ذلك" (1تى4: 16).
+ حاسب نفسك بعد كل عمل مخطئ تعمله.
فلتستيقظ روحك بسرعة، ولتقل كما في المزمور «أنا أستيقظ مبكرًا» (مز3). بل قبل العمل أيضًا حتى لا نخطئ.
+ وحاسب قبل الذهاب إلى أب اعترافك.
حتى تتذكر كل خطاياك، ولا تنسَ منها شيئًا في اعترافاتك.
+ وحاسب نفسك كلما تفكر أن توبخ غيرك.
وذَكِّر نفسك بالمثل القائل "من كان بيته من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة".
+ وحاسب نفسك على خطاياك، كلما تُحارب البر الذاتي.
كلما تري نفسك جميلًا في عينيك، أو تبدو حكيمًا في عيني نفسك، أو تتذكر عملًا حسنًا عملته حينئذ تذكر خطاياك، حتى تقيم بها توازنًا مع محاربات شيطان المجد الباطل.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx