الكرازة بالمهجر (٢)

نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا

إزاء الاحتياجات التي تتركّز في الاهتمام بأبنائنا من الجيل الجديد المولود بالمهجر، والعائلات المتعددة الجنسيات (بسبب الزواج) وأوضاع الخارج، والحفاظ على الإيمان المسيحي بهذه المجتمعات، وتجنُّبًا لتحوّل الكثيرين عن الإيمان، وضرورة تعريف غير المؤمنين بالإيمان المسيحي، هذا مع مراعاة الاهتمام باللغة التي يجيدونها أو لا يقدرون على أن يستعملوا بديلاً عنها، وكذلك الثقافات المختلفة وغيرهما من الإعتبارات.
وإزاء إحساس أبناء الكنيسة – أساقفة وكهنة وخدام – بالمسئولية أمام الله، ووفاء للكنيسة الأم في رسالتها، وأيضًا من أجل أمانتنا نحو تاريخ الكنيسة المعاصرة بضرورة التفكـير فـي وسـائل متعـددة للكرازة، لذلك ظهرت أنشطة كرازية كثيرة ولا شك أنها هادفة إلي خلاص النفوس والتمسُّك بالمنهج الأرثوذكسي.
اهتم البعض بالنبذات التي تعرّف عن الإيمان المسيحي الأرثوذكسي. ورأي البعض أهمية إنشاء مراكز ثقافية روحية، وآخرون عملوا رحلات تبشيرية إلى أماكن متعددة سواء لأبناء الكنيسة من جنسيات مختلفة أو الحقول الكرازية القبطية.وكذلك الاهتمام بالذين ليس لديهم مأوى، وانضم إليهم كثير من القبائل والشعوب المختلفة، كذلك طرقوا أبواب غير المؤمنين لافتقادهم وتعريفهم برسالة الإنجيل المفرحة.
واهتم البعض أن تُقام خدمات داخل الكنيسة باللغات المختلفة في قداستها وعظاتها، وخُصِّصت أوقات معينة للخدمة باللغة المحلية، وكذلك مراعاة للثقافات المتعددة. وأيضًا ظهرت فكرة الكنائس التبشيرية.
وربما تتطرّق هذه الأنشطة للإحساس بضرورة الاهتمام باللغات المحلية والثقافات المتعددة وتبسيط الإيمان وطرق الترنيم، وكيفية التعامل مع الطقس القبطي ليتلاءم مع هذه الشعوب والأجناس، وهنا نريد أن نؤكّد ضرورة الدراسة الأمينة الحكيمة التي نحن ندرك تمسك كل فئات الخدام بها، ولكن لأن هذه الخدمات جديدة على الكنيسة في شكلها.
فيجب أن نهتم بعدة أمور:
ضرورة وضوح الهدف العام لكل الخدام وهو خلاص النفوس والإيمان بالسيد المسيح إلهًا وفاديًا ومخلّصًا «نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس» (بطرس الأولى 1: 9).
أن توضع خطة لهذه الخدمة حاضرًا ومستقبلاً مستفيدين بخبرات الذين سبقونا حتى لا نقع في أخطاء السابقين.«و ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب» (كورنثوس الأولى 14: 4).
أن نهتم بأن نقدم عملاً متكاملاً في خدمة الكنيسة يوفي احتياجات كل هذه الفئات التي ذكرناها «كونوا كاملين» (كورنثوس الأولى 1: 1)، وكذلك أبناء الكنيسة الذين تربّوا فيها، وتعتمد الكنيسة اعتمادًا كاملاً من حيث رؤيتهم الروحية وأرثوذكسية نشأتهم وإدراكهم وتمسكهم بضرورة الحفاظ على تراثنا (وهذه ضرورية جدًا).
ضرورة الاهتمام بالثقافات المحلية لكل قطاع سواء في اللغة أو العادات، وقدرتهم على اسـتيعاب منهـج الخـدمة الكنسـية وطـرقها (مثل القداس واللغة القبطية والممارسات الروحية والنسكية التي تتسم بها كنيستنا)، «صرت للكل كل شيء لأخلّص على كل حال قومًا» (كورنثوس الأولى 9: 22).
وأمام هذا التعدّد في الاحتياجات والثقافات والمناهج والضرورات سوف يوجد مناخ من التداخل الذي يجب علي الكنيسة أن تعالجه بحكمة، وربما تتعقّد الأمور لو لم تُعالَج بحكمة، ومن هنا نشأت فكرة ما يُسمّى بالكنائس التبشيرية التي من خلالها يري البعض من أبناء الكنيسة أنها تحقّق الهدف الذي نشتاق اليه.
ونحن نؤكد أمانة أبناء الكنيسة نحو الهدف الذي يمجّد الله، ولكن نريد أن نضع في الاعتبار أشياء هامة :
وحدانية القلب والفكر والمنهج التي للمحبة، وهي طلبة نطلبها دائمًا في كل قداس. والاهتمام بألاّ يكون هناك تقسيم المؤمنين والمخدومين (وما يمكن أن نسميهم الموعوظين) إلي فِرَق أو مدارس متعددة، ولعل ذلك تأكيد لمنهج الكنيسة يوم الخمسين.
الاهتمام بسلام الكنيسة، وضمان عدم تغلّب فكر على آخر، أو مهاجمة جماعة لأخرى، لأن ثمر البرّ لا يُزرع إلا في سلام.
التأكيد على ضرورة المنهج الأرثوذكسي عقيدة وطقسًا لكي لا تُضيّع هذه الأنشطة هويتنا الأرثوذكسية، ونصل إلي ما وصلت إليه بعض الكنائس الأخرى، إلى ما يسمي الكنائس المستقلة Independent churches .
يمكن أن تتنوّع الأنشطة والمؤسسات والخدمات، ولكن نحرص ألا نُعثِر أحدًا. فنحن في الكنيسة خدام ومخدومون ندرك ضرورة عدم العثرة «لذلك إن كان طعام يعثر أخي فلن آكل لحمًا إلى الأبد لئلا أعثر أخي» (كورنثوس الأولى 8: 13)، لذلك مع إدراكنا بضرورة الدور الكرازي للكنيسة الذي يظهر في تعليمها وليتورجياتها ومنهجها وتاريخها وسير أبائها ندرك ضرورة تأكيد هذا الدور الكرازي.
ويجب أن ندرس الوسائل المختلفة مالها وما عليها، وكيف نحافظ على المبادئ السابقة في ظل كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية.