اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الحادية والأربعون30 أغسطس 2013 - مسرى 24 ش 1729 العدد 33-34

اخر عدد

يعظم انتصارنا بالذي أحبنا

الانبا يوسف

30 أغسطس 2013 - مسرى 24 ش 1729

يعظم انتصارنا بالذي أحبنا

إذ تتلاحق أخبار ما يحدث في بلادنا بوجه عام وفي الكنيسة القبطية في مصر بوجه خاص تعتصر قلوبنا حزنًا وكمدًا، ولكن ليس بدون رجاء ولا بتعجّب وحيرة. فكيف نحتار ونتعجب بل ونيأس ونحن عالمون جيدًا أنه لم يحدث قط أن وُجِد جسد المسيح غير موسوم بعلامات الألم وجراح الصليب؟ تلك الجراح في الكنيسة هي بعينها إكليل فرحها ونصرتها. فهذا هو إيماننا أنه لم ولن يوجد قط صليب لا تعقبه قيامة، ولا قيامة بدون قبر.

والسؤال الذي حيّر الكثيرين على مرّ العصور هو: لماذا الألم؟ لماذا الاضطهاد؟ لماذا يتجبّر الذئب على الحمل الوديع؟ لماذا يسمح الله بأن يبدو الأمر وكأن الشر هو الغالب والمنتصر؟

واليوم في خضّم هذه الأحداث تصرخ الكنيسة الموسومة بالألم إلى الله ضابط الكل بمرارة: «لا تصغُرْ لَدَيكَ كُلُّ المَشَقّاتِ الّتي أصابَتنا نَحنُ ومُلوكَنا ورؤَساءَنا وكهَنَتَنا وأنبياءَنا وآباءَنا وكُلَّ شَعبِكَ» (نحميا 9: 32)، أنظر يا رب: «أطلَقوا النّارَ في مَقدِسِكَ. دنَّسوا للأرضِ مَسكَنَ اسمِكَ. قالوا في قُلوبهِمْ: "لنُفنينَّهُمْ مَعًا!". أحرَقوا كُلَّ مَعاهِدِ اللهِ في الأرضِ» (مزمور 74: 7-8).

هذا هو المشهد على الأرض... أمّا في السماء فإذ يتطلّع الله وقديسوه للكنيسة المجروحة يتهلّلون بفرح صارخين معًا: «مَنْ هذِهِ الطّالِعَةُ مِنَ البَرّيَّةِ كأعمِدَةٍ مِنْ دُخانٍ، مُعَطَّرَةً بالمُرِّ واللُّبانِ وبكُلِّ أذِرَّةِ التّاجِرِ؟» (نشيد 3: 6). هنا تأتي الإجابة على السؤال الحائر عن فائدة وبركة الاضطهاد في حياتنا. ألم يشعر بطرس بحيرة قلوبنا فسبق وأجاب: «أيُّها الأحِبّاءُ، لا تستَغرِبوا البَلوَى المُحرِقَةَ الّتي بَينَكُمْ حادِثَةٌ، لأجلِ امتِحانِكُمْ، كأنَّهُ أصابَكُمْ أمرٌ غَريبٌ، بل كما اشتَرَكتُمْ في آلامِ المَسيحِ، افرَحوا لكَيْ تفرَحوا في استِعلانِ مَجدِهِ أيضًا مُبتَهِجينَ» (بطرس الأولى 4: 12-13).

فلنفرح إذًا ولنتهلّل لأن الله قصد في محبته أن يكلّلنا. فأيّ مجد أعظم من أن يشركنا المسيح في سرّ آلامه؟ طوبى إذًا لكل من صار قيروانيًا مُسخَّرًا ليحمل الصليب وراء سيده. طوبى لمن فقد زوجًا أو زوجة أو ابنًا أو ابنة أو أبًا أو أمًّا أو حقلاً أو تجارة أو أموالاً أو مقتنيات لأنه سيُعوَّض بمئة ضعف. طوبى للكنيسة التي حُرِقت جدرانها لأن الله سيعوِّضها بولادة بنين من رحمها المتألِّم يصيرون هم ذواتهم أعمدة في هيكل الله الأبدي.

ومن بركات الألم أيضًا التوبة والرجوع إلى المحبة الأولى والتخلّي عن الفتور والميوعة والنمو الروحي «فإنَّ مَنْ تألَّمَ في الجَسَدِ، كُفَّ عن الخَطيَّةِ» (بطرس الأولى 4: 1). إنه قانون ثابت أنه "إن ماتت حبة الحنطة تأتي بثمر كثير" (يوحنا 12: 24) وأنه «ولكن بحَسبِما أذَلّوهُم هكذا نَمَوْا وامتَدّوا» (خروج 1: 12). كما أن الألم هو الدعامة التي تقوّي إيماننا وتدعم حياة التسليم لدينا. فلولا الألم والاضطهاد لما رأينا عجائب الله، ولولا دقلديانوس لما عرفنا مارجرجس ومارمينا ومارينا وكل صفوف الشهداء.

والآن يتحتّم علينا أن نسأل: «يا رَبُّ، ماذا تُريدُ أنْ أفعَلَ؟» (أعمال 9: 6)، كيف نتصرف إزاء الأحداث؟ لا يطلب الله منّا الآن سوى الشهادة للحق. فإن لم نستشهد بالمعنى الحرفي فلنشهد إذًا للحق. هذا أقلّ ما ينبغي على المقيمين في الغرب أن يفعلوه بأن يكونوا إيجابيين في توضيح ونقل الصورة الصحيحة وإعطاء شهادة دقيقة عن حقيقة ما يحدث في بلادنا من حرب ضد الإرهاب، وعن امتنانا وشكرنا لرجال القوات المسلحة والشرطة الذين يبذلون أرواحهم في مواجهة أعمال إرهابية عنيفة لا تحترم حقوق الإنسان ولا آدميته.

ثم ينبغي علينا أيضًا ألا نكفّ عن الصلاة لأجل الذين يسيئون إلينا ويضطهدوننا كما أوصانا المسيح. ولكي يستجيب الله صلاتنا لابد وأن نقرنها بالغفران والمسامحة. أقول المسامحة وليس المصالحة، لأن المصالحة لا تتحقّق ما لم تُـبنَ على تغيير حقيقي في سلوك المسيء. أما المسامحة فهي مغفرة تستمد قوتها من المسيح الذي غفر لصالبيه. نحن إذًا لا ننادي بتصالح مع من يريد تدمير البلاد، وإن كنا نغفر له إساءته.

أخيرًا نطلب من ربنا يسوع المسيح ملك السلام أن يحل بسلامه في قلوبنا، وكنائسنا، وكل بلادنا وأن يسحق العدو تحت أقدامنا سريعًا بشفاعه أمه العذراء وكل مصاف الشهداء والقديسين. آمين

 


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx