اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4814 فبراير 2020 - 6 امشير 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 5-6

اخر عدد

كرامة الكهنوت (1)

قداسة البابا تواضروس الثانى

14 فبراير 2020 - 6 امشير 1736 ش

لكي نعلم ما هي كرامة الكهنوت، يجب أن نعرف ما هي أبعادها ومعوقاتها.

الكهنوت هو سر من أسرار الكنيسة، وهناك ثلاثة أبعاد رئيسية لكرامة هذا السر:

- البُعد الأول: رأسي

- البُعد الثاني: أفقي.

- البُعد الثالث: داخلي.

البُعد الرأسي: دعوة من الله.

وهو ما نُسمَّيه دعوة من الله، تذكَّر وقت اختيارك للخدمة كان هناك كثيرون في مجال خدمتك وفي سنك – ربما أفضل منك أو أقل منك – لكن الله رتَّب ظروفًا محددة ومناخًا معيّنًا لدعوتك لسر الكهنوت، فهي دعوة من الله.

لو سألتَ: لماذا أنا يا الله تدعوني لهذه الخدمة؟ فيجيب الله: لأني أريدك سفيرًا للمصالحة... وأرجو ألّا تغيب عنك قصد هذه الدعوة، فالله دعاك بمعنى أنه يريد العمل معك... فهل توافق؟ طبعًا تجيب: نعم.. الله يضع عَقدًا بينك وبينه له شروط محدَّدة فيقول لك: أنا أريد كل وقتك يكون معي.. موافق؟ أُريدك تعمل في وظيفة سفير للمصالحة، «تصالحوا مع الله» فعملك ككاهن هو عمل سماوي يرتبط بالسماء.

وقمّة هذا العمل هو القداس... ليس روتين أو كطقس أو عقيدة أو كممارسات مرتَّبة أو كلحن، بل القداس – بكل مراحله – عبارة عن مقابلة سمائية، رحلة للأقداس، وعملك هو مُصَلِّي، وأنت تنتمي لمدرسة تُسمّى بمدرسة القداس، ولكي نختار كاهنًا نشترط أن يكون خادم مذبح واختبر الصلاة، خادم أسرار.

ويُقال على الأب الكاهن إنه: ملاك كنيسة، ونُصلّي كما في الساعة الثالثة ونقول: نُحسَب كالقيام في السماء، فأنت كملاك تصلي وأنت في السماء مسكن الملائكة، أرجو ألّا تنسى دعوتك الكهنوتية من الله، وإلّا تحوَّلت إلى وظيفة، فالله هو الذي دعاك وهو الذي يرعاك.

إذًا البُعد الرأسي بُعد سماوي، ولهذا أطلب منك أن تكون السماء حاضرة في كل خدمة تقوم بها.

البُعد الأفقي: عمل مع الناس:

أنت تُسمَّى: وكيلاً، وسفيرًا، وراعيًا، ومُعلِّمًا، ومُرشدًا، بكل ما تحمله معاني الكلمات، لكن البُعد الأفقي في خدمتك مع الناس نختصره في كلمة واحدة وهي "أب" أبونا..

موضوع الأبوَّة لا نملّ من الحديث عنه، لأن الأبوَّة لو تقلَّصت أو اختفت في كنيستنا فلا تَعُدْ كنيسة، كنيستنا يعني أبوَّة، والأب الكاهن الذي لا تظهر فيه ملامح الأبوَّة بوضوح فجلوسه في بيته أفضل.

الأبوَّة تعني أنك تحمل قلبًا متسعًا جدًا، ومملوءًا بحب صافٍ يغطّي كل شعبك، وتحتمل ضعفاتهم وضعفات إخوتك، وتستر على هذه الضعفات، وتصلّي من أجلها، وتحتضن الجميع. وأقوى مثال لهذه الأبوَّة، قصة الابن الضال، عندما رجع هذا الابن الشارد قال الأب: ألبسوه الحُلّة، أعطوه خاتمًا، وحذاءً في رجليه، واكسروا التقليد القائم واذبحوا العجل المُسَمَّنْ الخاص بزواج الابن الأكبر، وأيضًا الأهم من كل هذا احتضنه (آخذه في حضني)، ويأتي هذا الابن باكيًا ويقول: «أخطأت يا أبتاه في السماء، ولست مستحقًا أن أُدعَى لك ابنًا»، فيسكته أبوه ويقول: كفى.. كفى.. ويضمه لصدره ويحتضنه.

أمر يؤلمني كثيرًا عندما أسمع شخصًا يشكو كاهنًا، أو كاهنًا يشكو كاهنًا آخر، أمر غير مستقيم. فأنت كاهن تعمل في البُعد الأفقي، وتخدم وتعمل مع الناس، وأرسلك الله لكي ما تكون أبًا بالحقيقة، وهذه الأبوَّة يجب أن تتضح في حياتك اليومية، وأنت نازل من البيت تصلّي قائلاً: يا رب أعطني هذه النعمة من أجل أولادك الذين أخدمهم، أعطني أن أكون أبًا ويشعروا بها...

الأبوَّة يا أحبائي ليست مهنة لكنها إحساس... شعور أبوّتك تظهر في خدمتك أثناء وقوفك في فصول الخدمة، أو أثناء افتقادك للشعب، أو أثناء جلستك لحل إحدى المشاكل... هذه هي طبيعة الأبوّة.

أيضًا أبوَّتك تتضح في ابتسامتك ورعايتك، معاملاتك حتى مع الفنيين والعمال داخل الكنيسة، أبوَّتك تتضح بالأكثر في عظاتك... تعليمك... فأنت أب، من أجل هذا يقولون عن الأب الكاهن:

خادم الحق (المسيح)... تابع للحق (المسيح)... مُعلِن للحق (المسيح).

البُعد الدخلي: جهاد مع النفس:

هذا هو أهم بُعد في حياتك ككاهن وأب، هذا البُعد هو بُعد غير ظاهر أمام الناس، ولكنّ البُعديْن السابقين ظاهران أمام الناس، هذا البُعد مرتبط بجهادك مع نفسك أمام الله. بعض الآباء بعد رسامته بفترة، بشهور أو سنوات، يظن في نفسه أنه وصل ويكتفي، وهنا تحدث المأساة.. وآخر يشعر طول عمره أنه لم يصل بعد.

بُعد الجهاد مع النفس يُسمَّى بالاختبار، فالبعد الأول اختيار وهذا البعد اختبار.

مُعلّمنا داود النبي – وهو أعظم منّا جميعًا – يصرخ إلى الله ويقول في مزمور 139 «اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا». مَنْ مِنّا يقدر أن يقول هذا الكلام؟ أنت يا رب قد دعوتني... كرَّمتني... أقمتني خادمًا لك، وأن أكون المتقدّم في كنيستي، إذا كان معلمنا ؟؟؟؟

جهادك مع نفسك معناه جهادك ضد الكبرياء، ضد التعظّم. أيضًا جهادك مع نفسك معناه توبتك اليومية لئلّا بعدما كرزت للآخَرين أصير أنا مرفوضًا... ربنا يرحمنا... وجهادك مع نفسك أن لا تكون معجبًا بذاتك، جهادك مع نفسك هو في غاية الأهمية لحياتك وخدمتك. وأقول بصدق: هذا البُعد يتقدَّم البُعديْن الآخرين، فأجاهد مع نفسي، ثم يدعوني الله لأخدم الناس، وأزيد من جهادي مع نفسي وتتكرَّر الدائرة هكذا.

شعبنا الرائع ينظر إلى كل أب كاهن كأنه ملاك، لدرجة أنه يشعر ببركة عندما يلمس ملابسك الكهنوتية، أترى معي كم هو الكهنوت مُكَرَّم أمام الناس وله بركته وكرامته؟ ثم بعد هذا كله نسمع أن أبونا فلان لا يحتمل أبونا فلان، أو أبونا فلان قاسٍ في كنيسته، أو أبونا فلان يخدم كمدير، ولا يخدم بروحانية، أو أبونا فلان معجَب بخدمته بدون أن يحتضنها الاتضاع...

يا أحبائي الآباء... اجعل دعوتك سامية... عملك وخدمتك للناس راقيًا... فتكون كاهنًا بالحقيقة.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx