اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4829 مايو 2020 - 21 بشنس 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 19-20

اخر عدد

جرس الكنيسة... وجرس كورونا

الأنبا بيتر أسقف نورث وساوث كارولاينا وكنتاكي والنائب البابوي لولاية فيرجينيا

29 مايو 2020 - 21 بشنس 1736 ش

لم يكن جرس الكنيسة الذي نعرفه اليوم يعرف طريقه إلى أعين وآذان الشعب أيام موسى النبي، إنما كان الشعب ينتظر صوت الأبواق التي أمر بها الله موسى لكي ينادي الجماعة وينصتون إليه. ونري ذلك عندما قال الله لموسى «اصنع لك بوقين من فضة، مسحولين تعملهما، فيكونان لك لمناداة الجماعة... فإذا ضربوا بهما يجتمع إليك كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع» (عدد١٠: ١-٣).

ولم تعرف أيضًا القرون الثلاثة الأولى في المسيحية الأجراس، إنما في القرن الرابع عندما أعلنت الإمبراطورية الرومانية المسيحية واحدة من الديانات في الدولة، وتم استخدامها تعبيرًا عن بداية الصلوات. وكان الجرس عبارة عن لوح خشبي أو معدني يدق عليه الكاهن لإعلان الصلاة، ثم تطور وصار بشكله المعروف اليوم لدينا.. واليوم عرفنا شكلًا جديدًا للجرس الذي لا نستطيع أن نراه بأعيننا المجردة، إنه جرس هزّ العالم وأركانه، وأرعب العالم وسكانه، بل أيقظ المسكونة أينما كانوا.... إنه (جرس كورونا).

وأتذكر قولًا للمتنيح البابا شنوده الثالث يقول: "إنذارات الله هي أجراس من الله". واليوم نرى هذا الجرس الذي وصل رنينه لكل العالم، بما فيهم الرؤساء والملوك والوزراء والعلماء والأغنياء وحتى الفقراء، انه إنذار من الله المحب. والمتتبّع لعلاقة الله بالإنسان يري هذا جليًا واضحًا، سواء في الكتاب المقدس أو الأحداث التي سطرها لنا الكتاب والكتب والتاريخ...

إن اول إنذار وجرس للبشرية كان لأبينا آدم بعدم الأكل من الشجرة، ثم الإنذار لابنه قايين عندما حذره «عند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها» (تك٤: ٧). ونقرأ أيضًا في حزقيال: «يا ابن آدم، جعلتك رقيبًا لبيت إسرائيل، فتسمع الكلام من فمي وتحذّرهم من قِبَلي..» (حز33: ٧).

وهكذا توالت إنذارات الله وأجراسه من أنبيائه ورسله القديسين للبشر والبشرية، فمنهم من كان يسمع ويطيع، ومنهم من كان لا يسمع ويضيع، وكان البعض لديه آذان من طين والآخر لهم آذان من عجين، برغم قوة الجرس وصوته ورنينه الذي يحرك الأحجار الصامتة، ولايحرك شعرة من بعض الأنفار الجامدة... إن جرس كورونا لم يكن الأول ولن يكون الأخير. لقد دقّت أجراس عبر التاريخ لملايين البشر منها: الأوبئة والبراكين والزلازل والحروب والمجاعات وغيرها، وحصدت ارواح الملايينز. واليوم يقف العالم مبهورًا أمام رنين جرس كورونا الذي صدع آذان الملايين، وشلّ حركة الطائرات والمطارات، وأغلق المدارس والجامعات، وشغل المعامل والمستشفيات، بل واربك البورصة والاقتصاد، ووصل به الأمر أن أسكت لنا الألحان والقداسات!

ومع ذلك لا نراه غضبًا من الله بقدر مانراه جرسًا وإنذارًا، ولا نراه لعنة من السماء بقدر مانراه بركة تقرّبنا للسماء، انه صوت المسيح «توبوا لأنه قد اقترب منكم ملكوت السموات» (مت3: ٢). وإن كنّا اليوم حزانى لاختفاء صوت جرس الكنيسة الذي يدعونا للقداسات والصلوات، فإننا فرحون بصوت جرس كورونا الذي دعانا للتوبة والميطانيات. إن رنين جرس كورونا ارتفع عن رنين جرس الكنيسة والقلالي، ودقاته القوية المتسارعة تخطت دقات خطايا العالم المتصارع المتعالي... لقد فهمنا الدرس يا إله الرأفة والرحمة والأمين، وفهمنا الطلبة "اجعلي أبواب الكنائس مفتوحة للمؤمنين".

وأن سألتنا اليوم: ماذا تفضلون: جرس الكنيسة الذي كثيرًا ما دقّ ونادى ولم تسمعوا لدقاته، أم تريدون مزيدًا من إنذارات أجراسي التي جعلتها في أوقاتي؟ إننا نجيبك بكل توبة واشتياق وانسحاق: نرجوك أسكت دقات جرس كورونا الذي ساد وفاق، وأرجع لنا دقات جرس كنيستك لأننا رعيتك وشعب كنيستك...!


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx