اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4804 سبتمبر 2020 - 29 مسرى 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

الأحد... قادم

قداسة البابا تواضروس الثانى

04 سبتمبر 2020 - 29 مسرى 1736 ش

نحتفل خلال شهر سبتمبر من كل عام ببداية السنة القبطية الجديدة 1737ش، وهو تقويم الشهداء الذي تسير عليه كل طقوس وقراءات السنة الكنسية، وهو في الأصل امتداد السنة المصرية القديمة أي السنة الزراعية بشهورها الاثني عشر متساوية الأيام، إذ أن كل شهر يتكون من 30 يومًا بلا زيادة أو نقصان، ويُضاف لها الشهر الثالث عشر وهو الشهر الصغير أو أيام النسي التي هي خمسة أو ستة أيام. وقد بدأ هذا التقويم في العام 284م، وهي السنة التي اعتلى فيها الإمبراطور دقلديانوس عرش الإمبراطورية الرومانية، وصار زمنه أشد عصور الاضطهاد للمسيحية والمسيحيين في كل بلاد الإمبراطورية وإن كانت مصر لها النصيب الأكبر في عدد الشهداء، ولذا سُمِّيت كنيستها "أم الشهداء".

إن الحياة عطية ثمينة من الله للإنسان، والاعتداء على هذه العطية هو خطية وجريمة وإثم. لقد صنع الله من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون على كل وجه الأرض.. لكي يطلبوا الله لعلهم يلتمسونه فيجدوه، مع أنه عن كل واحد منّا ليس بعيدًا «لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد...» (أعمال الرسل 17: 26–28).

وقد وضع الله الحياة في إطار الوصايا العشر في العهد القديم، ولكنه اختصرها في صيغة "اثنين في واحد" أي صيغة سهلة القراءة والحفظ والتطبيق في العهد الجديد حين قال: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ» (لوقا 10: 27)، وحوَّل بولس الرسول هذا المفهوم إلى صلاة حين قال: «لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ... فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا» (فيلبي 1: 21-23).

وقد التقط آباؤنا الشهداء هذا المفهوم الحياتي، وتقدموا نحو مضطهديهم وهم يغنّون وينشدون هذه الكلمات في قلوبهم. ومن المدهش أن الاماكن التي وضعوا فيها الشهداء كالسجون والمغاير وغيرها، صارت أماكن تسبيح وصلوات مرفوعة رغم قسوة الآلام، كما نقرأ في قصص العشرات والمئات من الشهداء شرقًا وغربًا. ومن الكلمات القليلة التي سجلوها بدمائهم على جدران السجون عبارة "الأحد قادم"، والمقصود بالأحد أي يوم الرب (رؤيا 1: 10)، أي الحياة السماوية، وكأن الموت هو ربح للحياة الدائمة مع المسيح في أحد مستمر أي فرح مستمر. وهذا يوضّح كيف عاشوا برجاء مسيحي منقطع النظير.

فالرجاء المسيحي ليس مجرد التمنيات الطيبة بأيّة صورة، بل هو اليقين الكامل على وجود الإرادة الإلهية في حياتنا. إن الله هو رجاؤنا الأبدي «لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، الَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ» (عبرانيين 6: 19). وعندما نقارن حياتنا اليوم وبحياة آبائنا الشهداء في القرون الأولى، ومقدار التغيُّرات التي حدثت في حياة الناس وسط التقدُّم والتكنولوجيا والحياة المعاصرة بكل تفاصيلها، نجد أن هناك فوارق كثيرة، ولكن أهمها أن الكثير من الناس اليوم يعيش "حياة يأس هادئ"، مع فقدان الرجاء والأمل في كثير من المواقف. وربما انتشار وباء الكورونا عبر العالم كله خلال هذا العام أصاب الناس بالهلع والقلق والخوف مع فقدان الأمل. لذلك نحن نحتاج إلى جرعات من نفسية الشهداء حاملي الفرح والأمل والرجاء وهم يواجهون الموت، لأنهم عرفوا أنه بالنسبة للإنسان المسيحي ليس الموت هو نقطة النهاية ولا هو علامة استفهام، بل كما نقول في أوشية (صلاة) الراقدين: "لأنه ليس موت لعبيدك بل هو انتقال..."؛ لذا فرؤيتنا للحياة الكاملة تأتي في إطار التطلُّع إلى الأمام وليس إلى الوراء، والتطلُّع الى أعلى وليس النظر إلى أسفل. هو مسيحنا يعمل مع ماضينا بالغفران والمحبة، وفي حاضرنا روحه القدوس يتجدّد في أحشائنا ويشكّلنا في النهاية لرجاء مستقبلي، حيث ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي.

إيماننا هو الذي غلب به الشهداء هذا العالم بكل ما فيه، وإيماننا هو الذي نستطيع أن نغلب به (1يوحنا 5:5)، وإلهنا هو الثابت الوحيد في عالم لا تنتهي فيه التقلُّبات والتغيُّرات.

"الأحد قادم".. صرخة رجاء حيّ الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد (كولوسي 1: 27) كما يقول بولس الرسول.

بعد القيامة تقابل المسيح مع تلميذي عمواس ولم يعرفاه، حتى أنهما عبّرا عن رجائهما الضائع: «وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ» (لوقا 24: 13-35)، ولكن المسيح أعاد تشكيل فهمهما، فأعادهما إلى الكتب المقدسة التي قالت عن المسيح الذي يتألم ويُرفَض ويموت ويقوم ثانية، وفي نهاية الرحلة وعندما كسر الخبز ليأكل معهما، تفتّحت أعينهما وعرفاه.

كذلك نحن عندما نرجع إلى كلمة الله المكتوبة ونفهمها، يعيد الله تشكيل رجائنا وكأننا نتعلم من جديد، وعندما نأكل الأسرار المقدسة مِنَ القائل «أنا خبز الحياة»، نعرف طريقنا ويتجدّد رجاؤنا ونصرخ بابتهاج: "الأحد قادم".




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx