اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

إنكار بطرس

مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث

07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش

إنكار بطرس، وضعف الطبيعة البشرية

في قراءات ليلة الجمعة من البصخة المقدسة، تتضح لنا حقيقة بارزة وهي: أن الله الذي خلق طبيعتنا البشرية، يعرف ضعفاتها.. بينما هذه الطبيعة البشرية التي لا تعرف ذاتها.. كثيرًا ما تكون واثقة أزيد مما يحب!!

الله الذي يعرف الطبيعة البشرية، يعرف أن تلميذه المتحمس الغيور، بطرس، يمكن أن ينكره ثلاث مرات، في دقائق قليلة، أمام جارية وبعض الخدم، وليس أمام رؤساء لهم خطورتهم.. هكذا كانت الطبيعة البشرية أمام الرب. ولذلك قال لبطرس ينذره «هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكيلا يفني إيمانك» (لو22: 31، 33)، أما بطرس الواثق بنفسه أزيد من واقعه الضعيف، فإنه رد على الرب في ثقة بذاته قائلًا «إني مستعد يا رب أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت» (لو22: 33).

كنت أظن أن معلمنا بطرس، يجيب بغير هذا..!

سامحوني يا أخوتي، أنا لست أتدخل في تصرفات القديسين. بل إنني لست مستحقًا للتراب الذي كان يدوسه القديس بطرس بقدميه. ولكنه مجرد رأي أعرضه: مادام الرب قد قال «هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة»، وقال كنتيجة لهذه الغربلة: «كلكم تشكّون فيَّ فِي هذه الليلة، لأنه مكتوب إني أضرب الرعي فتتبدد الرعية» (مر14: 27؛ مت26: 31)، مادام الرب قال "كلكم تشكون" ولم يستثنِ بطرس، كان الواجب إذن، أن يتضع هذا القديس ويطلب المعونة. كان الأليق به، أن يلقي بذاته عند قدمي ربنا يسوع المسيح ويقول له: "يا رب قوِّ ضعفي. أعطني نعمة منك تسندني في هذا الضعف، حتى لا أنكر". كان يمكن أن يقول في اتضاع: "أنا واثق أن نعمتك لو تخلّت عني، ربما أنكر سبع مرات وليس ثلاثًا فقط، على الرغم من محبتي لك.. أنا إنسان ضعيف، إذا تصرفت بقوتي الخاصة، سأشابه الهابطين في الجب. ولن أنسى قولك من قبل «بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا» (يو15: 5). ولكنني بك أستطيع كل شيء.. «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني» (في4: 13)".

ولكن بطرس لم يفعل هكذا!!.. كان واثقًا بنفسه. كان واثقًا بمحبته للرب، بل كان واثقًا إنه أكثر من جميع التلاميذ ثباتًا! فقال للرب مجادلًا: «وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا» (مر14: 29؛ مت26: 33)، والعجيب أنه لما واجهه الرب بالحقيقة المرة وقال له بالذات، وليس ككلام عام: «الحق أقول لك إنك اليوم في هذه الليلة، قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات».. قال بطرس بأكثر تشديد «ولو اُضطُررت أن أموت معك، لا أنكرك». «وهكذا قال الجميع» (مر14: 30، 31؛ مت26: 34، 35).

إن النفس الجاهلة بحقيقة ذاتها، ما أسهل أن تقول للرب مع بطرس «إني أضع نفسي عنك» (يو13: 37). تقول ذلك في ثقة، ويثبت الواقع عكس ما تقول! هذه النفس الواثقة بذاتها، ليتها تدرك قول القديس بولس الرسول «لست أفعل ما أريده، بل ما أبغضه إيّاه أفعل!.. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ» (رو7: 15، 17). هناك نصائح تقوِّم مثل هذه الحالة منها:

أن يعرف الإنسان ضعف الطبيعة البشرية، وقوة الشياطين وحيلهم.

لابد أن نضع أمامنا في جهادنا الروحي إن عدونا الشيطان مثل أسد زائر يجول متلمسًا من يبتلعه هو (1بط5: 18). وقد قيل إنه عندما يُحَل الشيطان من قيده «لو لم يقصّر الله تلك الأيام، لم يخلص أحد» (مت24: 22). مادام الشياطين لهم هذه القوة والحيلة والخداع، حتى أن الشيطان يمكن أن يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور (2كو11: 14).

إذًا النصيحة الأولى، هي أن نتضع، وننسحق في داخلنا.

نتواضع تحت يد الله القوية، وأمام ذاتنا في الداخل. ولا تظن أن لنا قوة فوق مستوى الخطية، وفوق مستوى الحروب الشيطانية. فالخطية طرحت كثرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء (أم7: 26). وبكل اتضاع ندرك أنه يمكن أن تخطئ.

وإلي جوار الاتضاع تلزمنا أيضًا الصلاة الدائمة.

وهكذا يلهج القلب باستمرار "يا رب أعطني نعمة. يا رب أعطني قوة. حافظ عليّ. أنا أضعف من الخطية. أسندني فأخلص".

ومع الاتضاع والصلاة، ينبغي أن يكون لنا الاحتراس الدائم.

أحيانًا لا نحترس من بعض خطايا، نظن أنها من خطايا المبتدئين! أمّا أمثالنا الذين تدرّبوا على الروحيات، وعاشوا زمانًا في الكنيسة، ومارسوا وسائط النعمة.. فليس من المعقول أن يقعوا في أمثال هذه الخطايا..! وبالتالي لا نحترس. ونتيجة لعدم الاحتراس، نسقط في "خطايا المبتدئين"!

ربما ظن بطرس أنه من الاستحالة أن ينكر المسيح. جائز في اتضاع يظن أنه يمكن أن يسقط في خطايا أخرى غير هذه. أما عن إنكار المسيح، فهذا مستحيل، مستحيل.. إنه لم ولن يصل إلى مثل هذا المستوى..

هل يعقل أحد أن القديس بطرس يمكن أن ينكر؟!

بطرس الذي قال له الرب «طوباك يا سمعان بن يونا. إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات» (مت16: 17، 19) بطرس الذي أعطاه الرب مفاتيح الملكوت وسلطان الحل والربط، كواحد من الاثني عشر (مت18: 18).. بطرس المُعتبر أحد أعمدة الكنيسة بشهادة القديس بولس الرسول (غل2: 9). بطرس الذي هو من كبار المتحمسين للرب السائرين وراءه. بطرس المملوء غيرة، الذي منذ لحظات استلّ سيفه وضرب أذن عبد رئيس الكهنة. بطرس هذا ينكر المسيح؟! ألا يبدو هذا مستحيلًا وأمرًا لا يخطر على بال؟

فإن كان بطرس هذا قد أنكر، ألا نتضع نحن؟! ألا نقول: لسنا أقوى من الذين سقطوا، ونحترس.

وإن كان الله يسندنا في بعض الأوقات فلا نسقط، فليس هذا راجعًا إلى قوتنا الشخصية، ومقاومتنا وصمودنا.. فلنقل إذن مع المرتل في المزمور «لولا أن الرب كان معنا.. لابتلعونا ونحن أحياء.. مبارك الرب الذي لم يجعلنا فريسة لأسنانهم..» (مز124).

إذن فلنداوم على الاتضاع، والصلاة والاحتراس.

ولا نحاول أن نقسم الخطايا، إلى خطايا كبيرة تحتاج إلى صلاة واحتراس، وخطايا أخرى نحن فوق مستوى السقوط فيها، وهذه لا تحتاج إلى احتراس ولا إلى صلاة! إن ربنا يسوع المسيح، الذي يعرف ضعف طبيعتنا، يعرف أن عبارة "لو أدي الأمر أن أموت معك" هي مجرد حماسة ظاهرية، أو مجرد نية طيبة.

ولكن الإرادة في الواقع، ليست على مستوى الحماس والنية.

النية الطيبة، والحماس متقد، ولكن العزيمة لا تسندهما. والقلب ربما يهتز، إن كان الاختبار شديدًا يكشف ضعفه. لاحظوا أن الرب قال لبطرس «طلبت من أجلك، لكي لا يفنى إيمانك» (لو22: 32). إلى هذه الدرجة يا رب تقول لكيلا "يفني" إيمانك؟ قل مثلًا: لكيلا يضعف إيمانك، أو لكيلا يهتز إيمانك.. أمّا عبارة "يفني" فإنها صعبة وشديدة، وبخاصة إذا قيلت لرسول عظيم كبطرس. نعم، أنها كلمة صعبة، ولكنها الواقع. لولا الصلاة من أجلك، ربما كان يفني إيمانك.. يا للهول! إن الحماس ليس هو كل شيء، ولا الاندفاع.. بطرس ربما كان أكثر الرسل حماسًا. ولكن..

إن قوة الرب هي التي تحفظ، وليس قوتنا، وهي تحفظ المتواضعين. لذلك حسنًا قال الرب لله الآب «حين كنت معهم في العالم، كنت أحفظهم في اسمك، الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد» (يو17: 12) نعم، أنت الذي حفظتهم، وليست قوتهم أو تقواهم أو حرصهم. وليست حكمتهم، أو إرادتهم وعزيمتهم، أو مجرد محبتهم لك. فبطرس كان يحبك. ولكن هو حِفظك لهم.

احفظنا يا رب إذن كما حفظتهم... أعطنا قوة كما أعطيتهم. وقدنا كما قدتهم في موكب نصرتك (2كو2: 14). إنك لما أمسكت بيد بطرس، أمكنه أن يمشي على الماء، معك. ولكنه بقوته الذاتية وحدها، لا يستطيع أن يمشي. لقد جرّب ذلك فسقط في الماء..

إن سرت يا أخي فوق الماء ولم تسقط، فاعرف أن ذلك سببه أن الرب ممسك بيدك. لذلك احتفظ بهذه اليد معك، واحترس أن تعتمد على ذاتك لئلا تسقط.. إننا نريد هؤلاء المتواضعين، الذين بدلًا من أن يعلنوا قوتهم وقدرتهم كبطرس، يحوّلون ذلك إلى صلاة.

اعتماد بطرس على قوته، كان له جانب شخصي وآخر مقارن.

فمن جهة اعتماده علي شخصه، أو اعتداده بشخصيته، قال «إني أضع نفسي عنك». ومن جهة المقارنة قال «وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا» (مر14: 29). كأنه أكبر من الكل، وأكثر منهم محبة، وأقوى منهم مقاومة. والتواضع يعلمنا ألا نفضّل أنفسنا علي غيرنا.

لذلك سمح الوحي الإلهي، أن يُسجّل إنكار بطرس وحده.

لقد قال الرب "كلكم تشكون" وقال "تتبدد الرعية" وقال عن الشيطان "يغربلكم".. إذن هي لم تكن تجربة فردية لبطرس، أو سقطة فردية، ولكنها للجميع. سقطة بطرس وحدة هي التي سجلها الوحي لأنه افتخر على باقي التلاميذ، وظن أنه أكثر حبًا للرب منهم. ولعله من أجل هذا عاتبه الرب بعد القيامة بقوله «يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟» (يو21: 15). ولاحظوا هنا أنه ناداه باسمه القديم سمعان بن يونا، وليس باسم بطرس الذي ناله في التطويب (مت16: 18)، فليس الآن مجال تطويب. هنا عاد لشخصية الإنسان العتيق، عاد صياد سمك وليس صياد الناس (لو21: 3). لم يعد كالصخرة، لأنه اهتز أمام جارية. ولكن الرب أعاده إلى رتبته الرسولية بقوله «أرعَ غنمي..أرعَ خرافي»، ولم يحاسبه بالإنذار الإلهي الذي يقوله «من ينكرني قدام الناس، أنكره أنا أيضًا قدام أبي الذي في السموات» (مت10: 33)...

ألا نتضع نحن؟!

ألا نصرخ إلي الرب ونقول: أنت تعرف ضعف طبيعتنا.. إنه يعرف بلا شك، كما قال داود في المزمور «لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن» (مز103: 14).

ولأنه يعرف ضعفنا، لا يوبخ كثيرًا، ولا يعاتب كثيرًا.

يوبخ من؟ ويعاتب من؟ أيوبّخ التراب والرماد.. المزدرى وغير الموجود. لذلك فإن داود النبي يقول له «لا تدخل في المحاكمة مع عبدك، فإنه لا يتزكى قدامك أي حي» (مز134: 2). مسكين هذا الإنسان الذي يحاول أن يبرّر ذاته، ويقول "أنا.. أنا..". أنت يا حبيبي؟ كلنا خطاه، فلا داعٍ لكلمة أنا هذه. وأن حكمنا الله، سوف "يستد كل فم"..

صدقوني، لو أسلمنا الله إلى ضعفنا، ما خلص منا أحد.

إن نعمة الله لا تزال تسندنا "لئلا يفنى إيماننا". وهكذا كان السيد المسيح: يقوّي تلاميذه، ويشجعهم، ويحفظهم ويعطيهم نعمة، ويبعدهم عن كل عثرة.

هل علي الرغم من ضعفهم، سوف تستخدمهم في ملكوتك؟

لقد جربتهم، ورأيت فيهم المُنكِر، والشكاك، والخائف، والهارب، والضعيف.. فهل يصلحون بعد ذلك لخدمتك؟ نعم! هم أولادي. من جهة أخطائهم، قد غفرت لهم. ومن جهة ضعفهم، سأقويهم.. وماذا أيضًا؟ سوف أطهرهم وأقدسهم وأبررهم وأعينهم، وأكتب أسماءهم في سفر الحياة وأسماء الذين يخلصون عن طريق كرازتهم.

حقًا يا رب أنك طيب. ليس لك شبيه بين الآلهة.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx