اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

عوض الطيب عفونة

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

07 أبريل 2017 - 29 برمهات 1733 ش

أحد أعظم ألحان الكنيسة القبطية لحن "فاي إيتاف إنف" حيث نتهلل مرنمين: "هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا. فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة". والحقيقة أن أصل هذا اللحن مُستمَد من رمزية ذبيحة المحرقة للسيد المسيح، حيث كانت تحرق كاملة فتصير: «مُحْرَقَةً، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ» (لا1: 9). وتوجد مواضع أخرى في الكتاب المقدس توضّح أن رائحة سرور ذبيحة المحرقة لم تكن هي فقط التي ترضي الله الآب. فعندما بنى نوح مذبحًا للرب بعد خروجه من الفلك وأصعد عليه محرقات «تَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا» (تك8: 21). وعندما تقدم يعقوب لإسحق أبيه ليأخذ البركة «تَقَدَّمَ وَقَبَّلَهُ، فَشَمَّ رَائِحَةَ ثِيَابِهِ وَبَارَكَهُ، وَقَالَ: انْظُرْ! رَائِحَةُ ابْنِي كَرَائِحَةِ حَقْل قَدْ بَارَكَهُ الرَّبُّ» (تك27:27). وأمر الرب موسى أن يصنع مذبحًا للبخور في خيمة الاجتماع «فَيُوقِدُ عَلَيْهِ هَارُونُ بَخُورًا عَطِرًا... بَخُورًا دَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ» (خر30: 7-8). أمّا عريس النشيد فيمتدح عروسه قائلًا: «كَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ!... وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ» (نش4: 10-11).

أمّا قول بولس الرسول: «لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ ِللهِ» (2كو2: 15) فهو الذي يبلور فيه ببراعة علاقتنا بالله الآب بواسطة المسيح: فإن كانت ذبيحة المسيح على الصليب قد تنسمها الله الآب رائحة رضا وسرور فإن كل من يلبس المسيح ويتحول إلى صورته يصير بالنسبة لله الآب رائحة المسيح الذكية. هذا هو تفسير كلمة "لله". فلن يستطيع أن يدخل إلى مقادس الله وينال البركة كمثل يعقوب إلا من يحمل في ذاته رائحة المسيح الذكية التي هي رائحة مميزة جدًا لا ينخدع فيها الله الآب قط. إنها رائحة دمه الذكي الكريم الذي حمّرت ثيابه وثياب كل لابسيه.

لكن كيف للمرء أن يكتسب رائحة المسيح الذكية المرضية لله الآب؟ يقول القديس اسحق السرياني: "إن رائحة عرق التعب في الصلاة هي أذكى من رائحة البخور لدى الرب". يمكننا إذًا أن نقول أنه على نفس المقياس يكون كل عمل نُسك وإماتة للذات، وكل عمل رحمة، وكل فكر بر وقداسة، وكل كلام مُصلَح بنعمة، وكل أحشاء رأفة من نحو الآخر، رائحة ذكية عطرة تتصاعد سريعًا وتنتشر كما على الأرض كذلك في السماء. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الروائح الذكية العطرة تفوح من أجساد الكثير من القديسين وتصاحب ظهوراتهم كما ورد في سير حياتهم المدونة في السنكسار.

أمّا قول أشعياء النبي: «فَيَكُونُ عِوَضَ الطِّيبِ عُفُونَةٌ» (إش3: 24) فهو يصف حال كل مستبيح، ومتخاذل، ومتكاسل في عبادته وجهاده الروحي. إنه تفوح منه رائحة عفونة خطاياه، وكسله، وتهاونه، وتنعمه، وبالتالي تُكتَب عبارة: «قَدْ أَنْتَنَ» (يو11: 39)  في سجله السماوي. لكن شكرًا لله الذي جعل رائحة دم ابنه الذكي أقوى بكثير من رائحة نتانة الخطية. وشكرًا لأحشاء رأفة المسيح الذي لا يستنكف قط من رائحة قبورنا العفنة في سبيل إتمام خلاصنا. إنه أطهر من أن تعلق به رائحة الخطية النتنة، بل إذ هو يدخل قبورنا ليقيمنا تفوح فيها ومنها رائحته الفائقة حلاوة.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx