اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون14 يوليه 2017 - 7 أبيب 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 27-28

اخر عدد

ماذا بعد الكذب؟!

قداسة البابا تواضروس الثانى

14 يوليه 2017 - 7 أبيب 1733 ش

يُلاحظ علماء الاجتماع على مستوى العالم ازدياد واتساع ظاهرة الكذب والخداع على كل المستويات، بدءًا من الأفراد وحتى مستوى الجماعات والشعوب والقادة والمسئولين.

وصار شاغلهم ليس الظاهرة نفسها، بل ما بعد الظاهرة، أي ما بعد الكذب، كيف سيكون حال البشرية؟

وصارت ألوان الكذب والرياء والنفاق والتظاهر ومجافاة الحق وسيطرة القوة واستغلال الضعفاء والخداع والنصب والاحتيال وغير ذلك من صور هو الشائع في العالم والسائد، حتى أن الكتاب المقدس يقول: «الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ» (1يوحنا5: 19).

والأمر جدّ خطير، خاصة وفي آخر أسفار الكتاب المقدس (سفر الرؤيا)، توجد تحذيرات واضحة وكثيرة خاصة في آخر أصحاحين إذ يقول:

(رؤيا21: 8): «وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي».

(رؤيا22: 15): «لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا».

ولكن لماذا يكذب الإنسان؟

قد يكذب لكي يتجمّل، أو يبجّل الذات، أو يختلق ما هو مشوِّق، أو لكي يخفي شيئًا ما، أو ليحقّق منفعة. وقد قرأت في مجلة National Geographic تحقيقًا علميًا (عدد يونيو 2017) عن الكذب وبنسب مئوية كما يلي:

22% للتستُّر على خطأ أو خطية

16% للمنفعة الاقتصادية المالية

15% للهروب من الناس وتفاديهم

8% لتشكيل صورة إيجابية عن الذات

7% لأسباب غير معروفة حتى لنا

5% للدعاية وإضحاك الناس

5% لمساعدة الآخرين بأيّة وسيلة

4% لإيذاء الآخرين

2% أسباب مرضية / تجاهل الواقع

2% أسباب اجتماعية أو أدبية

ويقول العلماء إذا كان الصدق يخرج من الإنسان بتلقائية طبيعية، فإن الكذب يتطلّب جهدًا وذهنًا وفكرًا ووقتًا. وقد تبيّن للباحثين أن الكذب أمر يبرع فيه معظم البشر ويعتبرونه أمرًا سهلًا، سواء أكاذيب صغيرة أو كبيرة، على الغرباء والأقرباء والزملاء والأصدقاء والأحباء. أيضًا وتشير دراسات المختصين أن الميل لمخادعة الآخرين هو سلوك متأصّل في الطبيعة البشرية، ويعتبرون أن الكذب سهل جدًا مقارنة بوسائل سلوك آخر، فمثلًا اللجوء للكذب للحصول على مال شخص أسهل بكثير من ضربه على رأسه لسرقة ماله!!

وتشير التجارب العلمية إلى امتلاك البشر "موهبة خداع الآخرين"، وأيضًا قابليتنا للانخداع على نحو واسع جدًا خاصة في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بات من الصعب التمييز بين الصدق والكذب.

ويبدأ الكذب مع الطفولة، والغريب أن الآباء والأمهات يعتبرون كذب الأطفال دليل على فقدان براءة الطفولة، بينما يعتبره علماء النفس دليل على النمو الفكري الصحيح والطبيعي للأطفال، حتى أنهم يقولون أنه كلما كبر الأطفال ازدادت مهارتهم وقدرتهم على الكذب.

والغريب أن الكذبة الأولى يمكن أن تؤدي إلى كذبة ثانية ثم ثالثة وهكذا، ويسمون ذلك "الكذب السلس"، والذي ينزع وخز الضمير شيئًا فشيئًا حتى يصل الإنسان إلى نوعية الغشاشين المحترفين الذين بلا تأنيب ضمير يعيشون. وفي ذلك يقول المثل المصري القديم "الكذب مالوش رجلين"، وأيضًا "بيت الغشاش ما يعلاش".

ولكن من المدهش أن الباحثين أكدوا أن البشر ميَّالون ميلًا خالصًا لقبول الأكاذيب التي تؤيِّد نظرتنا الفردية للعالم.

أمّا وإن واجه معلومة لا تتفق مع وجهة نظره، فإنه إمّا لا ينتبه إليها أو يتجاهلها أو يسفّهها أو يستغربها، وربما يهاجمها إن شعر أنها تهدد معتقداته الخاصة. عالم الكذب أضحى واسعًا جدًا بسبب التقنيات الحديثة التي فتحت آفاقًا جديدة، حتى صار البشر ينقسمون إلى (نفوس كاذبة) و(نفوس صادقة).

وسيظل الصراع الأزلي مشتعلًا بينهم.

وتُعتبر واقعة حنانيا وسفيرة (سفر أعمال الرسل 5: 1-11) مثالًا صارخًا على حالة الكذب طمعًا في الحصول على الكرامة أمام الرسل، غير أن الله لم يرضَ عن ذلك ولم يسكت، وكان العقاب هو موتهما.

لقد تظاهرا بوضع روحي زائف، واستمرّا في هذا الرياء، واختلسا من ثمن ما باعاه، وبالتالي كانت خطية ريائهما الروحي المبني على الأنانينة هي الخطية الأعمق والأشد.

وكتابات الأسفار المقدسة تتكلم في مواضع كثيرة عن هذه الخطية الواسعة الانتشار باعتبارها غش وخداع وعدم مطابقة الفكر واللسان، وكأن الكذب هو عودة إلى الطبيعة المشوهة بالخطية «لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ. إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ.. وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ» (كولوسي3: 9، 10).

ويدين الرب يسوع أيضًا قادة الشعب اليهودي العميان (متى 23)، فهؤلاء المراءون الذين يرفضون أن يؤمنوا به، ما هم إلّا كذّابون (يوحنا8: 55)، ومثلهم مثل سائر الكذبة الذين سيظهرن على مدى كل العصور ليبعدوا الناس عن الإنجيل: مسحاء دجالون (1يوحنا2: 18-28) ورسل كذبة (رؤيا2:2) وأنبياء كذبة (2تيموثاوس4: 3، 4) وإخوة كذبة (غلاطية2: 4).

الشيطان هو الكذاب وأبو الكذاب (يو8: 41-44)، وكانت الحية القديمة التي أغوت حواء ثم آدم (تكوين3: 13) ثم كانت السقطة الأولى والخطية التي دخلت إلى العالم بحسد إبليس كما نصلي في القداس الإلهي.

أيها القارئ الحبيب، عش صادقًا مع نفسك، وفي أسرتك وعملك وخدمتك ومجتمعك ووطنك، ولا تستسهل هذه الخطية التي يمكن أن تطيح بك بعيدًا عن الملكوت. والتجرد عن كل كذب هو مطلب أوّلي من مطالب الحياة المسيحية (1بطرس2: 1) لأن الرب هو إله «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ..».

«لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ...» (متى5: 37؛ يعقوب5: 12).



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx