اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون28 يوليه 2017 - 21 أبيب 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 29-30

اخر عدد

كلمة قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني في جنازة المتنيح الأنبا ساويرس أسقف ورئيس دير السيدة العذراء "المحرق"

28 يوليه 2017 - 21 أبيب 1733 ش

على رجاء القيامة نودّع هذا الأب الجليل، أحد آباء الرهبنة في جيلنا، مثلث الرحمات نيافة الأنبا ساويرس أسقف ورئيس دير السيدة العذراء مريم الشهير بالمحرق، في أسيوط. وعندما نودع أحباءنا إلى السماء، نحن نودعهم على رجاء القيامة، ونودع فيهم خدمتهم وتعبهم على طول السنين. نيافة الأنبا ساويرس خدم في هذا الدير حوالي أربعين سنة، وعلى يديه تربّى أعداد كبيرة من رهبان الدير، ومن رهبان في أديرة أخرى. وخدم بحسب ما أعطاه الله من صحة ومن مجهود، ولكنه استمع إلى نداء الله في مرضه « تعالَوْا إلَيَّ يا جميعَ المُتعَبينَ والثَّقيلي الأحمالِ، وأنا أُريحُكُمْ... فتجِدوا راحَةً لنُفوسِكُمْ» (مت11: 28، 29)، حَمَلَ صليب المرض وقتًا طويلًا، تألم كثيرًا، ومع آلامه كان في الدير يقود الديـــــــر مع كــــــــل الآبـــــــاء الرهبـــــــان في هــــــــذا الدير العامر.

عندما نقف يا إخوتي الأحباء في مثل هذه اللحظات، لحظات توديع أحد الأحباء الذين عاشوا معنا وتعاملنا معهم، وعشنا وتكلمنا، وصارت لنا معرفة، ثم يأتي وقت الرحيل المحتوم على كل البشر -أمّا نحن الرهبان، فقد اجتزنا هذه اللحظات في وقت الرهبنة، عندما نلنا في هذا الطقس الصلاة على الراقدين- ويأتي الإنسان إلى هذه اللحظات –لحظات الموت– فيكون صادقًا مع نفسه، ولأن الصدق صار عزيزًا في هذه الأيام، إنما لحظة الموت هي اللحظة التي يجب أن يقف أمامها الإنسان كيفما يكون وفي أي مكان.

أعطانا الله الحياة لكي نخدم بها، وأعطانا الحياة لكي ما نحيا في الوصية ونرضيه في كل حين، وأعطانا الحياة لكي نمجده، وأعطانا الحياة لكي نحبه، وأعطانا الحياة لكي ما نتمتع بحضوره في قلوبنا، ثم تأتي لحظة نهاية الحياة لكيما ينتقل الإنسان من شاطئ الأرض إلى شاطئ السماء. عندما ينتقل الإنسان يترك الأرض بكل أتعابها، بكل أشواكها، بكل ما فيها من هموم وقلق، يترك الأرض بما فيها من هذه الآلامات الكثيرة والمتنوعة، ولكنه عندما يتطلع إلى السماء يرى صورة أخرى، كما قال القديس بولس الرسول: «فإنّي أحسِبُ أنَّ آلامَ الزَّمانِ الحاضِرِ لا تُقاسُ بالمَجدِ العَتيدِ أنْ يُستَعلَنَ فينا» (رو8: 18). عندما يترك الإنسان الحياة على الأرض، نحزن ونتألم ونبكي، نبكي لهذا الفراق، ولكن هذا البكاء يا إخوتي يجب أن يكون دافعًا لتوبتنا جميعًا. فليس الموت مجرد لحظة، الموت عِبرة، الموت درس، والموت نداء. فأنت الذي تبكي دموعك ثمينة جدًا، وستكون هذه الدموع أثمن وأثمن إن كانت على خطاياك وعلى ضعفاتك.

عندما نترك الأرض نصل إلى السماء، وفي السماء تكون المتعة الحقيقية، متعة السماء أولًا في الوجود في معية الله والقديسين والأبرار والصديقين، فمجتمع السماء ليس فيه خطاة، وليس فيه ضعفات الأرض، وليس فيه سقطات الأرض. مجتمع السماء هو مجتمع كامل، لا توجد فيه مثل هذه الآلام. عندما ينتقل الإنسان من مجتمع الأض الذي اختبر فيه آلامات كثيرة، يصل إلى السماء لكيما يعيش في هذه المعية، ويكون مع الله في كل حين ويتمتع، ولا تقترب إليه الآلام ولا الضعفات ولا الخطايا ولا السقطات. أيضًا عندما يترك الإنسان مجتمع الأرض ويصل إلى السماء -التي نسميها سماء من السمو- بعد أن كان يعيش في الدنيا (من الدنو)، يصل إلى السماء لكيما يتمتع بالسلام الكامل، فلاتوجد في السماء صراعات البشر المتعددة، الصراعات الكبيرة والصراعات الصغيرة لا نراها في السماء، بل السماء هي مجتمع السلام الكامل. فالإنسان لا يختبر معنى وطبيعة السلام الكامل وهو على الأرض، حتى أننا نقرأ في الإنجيل في العظة على الجبل «طوبَى لصانِعي السَّلامِ، لأنَّهُمْ أبناءَ اللهِ يُدعَوْنَ» (مت5: 9)، صانعو السلام على الأرض الذين يتشبّهون بمجتمع السماء الذي هو كله سلام في سلام. أيضًا عندما يترك الإنسان الأرض، في السماء سيجد الفرح الكامل، نحن دائمًا نقول في الصلوات الكنسية، نستخدم تعبيرًا ليس عربيًا ولكنه سرياني، ونقول فلان تنيح، هذه النياحة ليست كلمة عربية لكن معناها حالة الفرح والراحة الكاملة. على الأرض نختبر الراحة، أن الواحد ينام قليلًا، أو يتنزه لبعض الوقت، هذه كلها أشياء وقتية، ولكن في السماء يختبر حالة جديدة من حالات الفرح الدائم، البهجة أو حالات السرور، فلا توجد أحزان ولا توجد دموع في السماء، ولا توجد ظلمة، ولا يوجد أي أرق أو قلق. الإنسان في السماء يتمتع بهذا الفرح الكامل، ولذلك القديس بولس الرسول عندما صعد إلى السماء وانكشفت أمامه رؤية، وسُئِل: ماذا رأيت؟ فقال هذا التعبير الخالد والذي نستخدمه في صلواتنا كثيرًا: «ما لَمْ ترَ عَينٌ، ولَمْ تسمَعْ أُذُنٌ، ولَمْ يَخطُرْ علَى بالِ إنسانٍ: ما أعَدَّهُ اللهُ للّذينَ يُحِبّونَهُ» (1كو2: 9)، لا نستطيع أن نصف السماء وجمالها، نعتمد في هذه الأوصاف كلها على ما في أيدينا من اختبارات القديسين، ومن الأسفار المقدسة، والسماء التي تكلم عنها السيد المسيح.

نيافة الأنبا ساويرس، ترهّب سنة 1974م، منذ 43 سنة، وصار مسئولًا عن الدير في سنة 1977م كخوري ابسكوبوس، ثم صار أسقفًا لهذا الدير ورئيسًا في عام 1985م، وهذا يعني أن مسئوليته عن الدير امتدت لحوالي 40 سنة. في هذه السنوات الطويلة صار أبًا للرهبنة في هذا الدير، صار له أبناء كثيرون، صار له خبرات روحية، وصار مرشدًا وأب اعتراف لآباء كثيرين، ولأحباء. وخدم حسب ما أعطاه الله. رسمه المتنيح قداسة البابا شنوده الثالث، وعهد إليه بهذا الدير الذي يُعتبر ديرًا عامرًا، وله قيمة أثرية في تاريخ أديرتنا، وأيضًا في تاريخ مصر، ففي هذا الدير كانت المحطة الأخيرة لرحلة العائلة المقدسة التي ظهرت ووقعت أحداثها في القرن الأول الميلادي. وصار بقعة مقدسة على أرض مصر، وديرًا له تاريخ طويل، وله خدمة عريضة. عدد كبير من الآباء تخرج من هذا الدير، وخدموا كآباء كهنة أو آباء أساقفة في مواقع كثيرة، سواء داخل مصر أو خارج مصر. أيضًا في هذا الدير احتضن فرعًا للكلية الإكليريكية النهارية، واهتم بهذه الكلية كثيرًا جدًا، ووجود كلية داخل الدير لا شك أمر جميل، وأمر يعطي فرصة للدراسة، وللنضوج الروحي لمن يدرس في هذه الكلية.

بعد تنصيبي وتجليسي في نوفمبر 2012م، كان أول دير زرته هو دير المحرق في فبراير 2013م، ولم أكن من قبل قد زرت هذا الدير وإن كنت قد سمعت عنه وقرأت عنه كثيرًا.

نحن نتعزى كثيرًا بحضوركم جميعًا...

باسمي، وباسم كل الآباء المطارنة والآباء الأساقفة الموجودين معنا والمشاركين، وباسم كل آباء الدير الآباء الرهبان، وباسم كل الأحباء، نشكركم كثيرًا، ونشكر السيد المحافظ محافظ أسيوط، السيد المهندس ياسر الدسوقي، ونشكر أيضًا نيافة الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط للأقباط الكاثوليك، ونشكر كل حضوركم. ونحن الحقيقة عندما نتعزى بتعزيات الأحباء في كل مكان، هذا يخفّف أحزاننا، ولكننا في نفس الوقت ترتفع أذهاننا وأبصارنا نحو السماء. عندما نودع الأحباء يا أخوتي، إنما ننظر إلى السماء، وكأن الإنسان الذي نودعه يثير فينا الشهوة إلى السماء، والتطلع إلى السماء، فحياة الأرض مهما امتدت هي قصيرة أمام الحياة في السماء. ونحن نودع هذا الأب الجليل كأب رهبنة ترك في ديره مساحات كبير من الحب ومن الخدمة ومن الحياة الروحية التي تضم كل الآباء الموجودين في هذا الدير ويعيشون فيه ويرفعون الصلوات اليومية، وتكون حياة هذا الدير هي خدمة لكل مصر، ولكل الكنيسة. نحن نشكر كل الحضور، ونشكركم على هذه التعزيات الكثيرة، ونصلي أن يعطينا الله دائمًا اشتياقًا للسماء، ويعطينا في حياتنا دائمًا التوبة الحقيقية لكيما يكون لنا مكان في السماء. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين.



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx