اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون28 يوليه 2017 - 21 أبيب 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 29-30

اخر عدد

لا تجازوا أحدًا عن شر بشر - عظة الأربعاء 10/7/2017م من كنيسة السيدة العذراء مريم والأنبا بيشوي بالأنبا رويس

قداسة البابا تواضروس الثانى

28 يوليه 2017 - 21 أبيب 1733 ش

الشر هو عدم وجود الخير، مثلما نقول إته لا وجود كياني للظلام، ولكن غياب النور نسميه ظلامًا، كما أن غياب الحياه نسميه موتًا، وغياب الخير كذلك نسميه شرًّا. الله لم يخلق عالم الشر، ولكن البُعد عن الخير، نسيان الخير، عدم استخدام الخير، هو الذي نسميه شرًّا.

وإساءة استخدام الشيء تحوله من الخير إلى الشر، أبسط مثال استخدام السكين؛ كل بيت فيه سكين، قد تُستخدَم كوسيلة تساعد في إعداد الطعام، وهو عمل خير. ولكن قد يستخدم الإنسان السكين ويحدث ضررًا لنفسه أو لغيره، فإساءة الاستخدام هي التي تحول الخير إلى شر.

ما معنى «أنْ لا يُجازيَ أحَدٌ أحَدًا عن شَرٍّ بشَرٍّ» (1تس5: 15)؟ يعني أن هناك طرفين، أحدهما يصنع شرًا، والطرف الآخر من المفروض أن لا يجازي الشر بالشر حسب الوصية المسيحية.

كيف يقابل الإنسان الشر الذي يأتي عليه؟

1) البُعد عن الشر

في العهد القديم نقرأ عن موسى النبي والشعب لما أرادوا المرور في أرض آدوم، أرسلوا لملك آدوم يستأذنونه، وتعهدوا بعدم المساس بالمزروعات التي في الأرض، ولكنه رفض وهدّدهم. فبعث له موسى النبي مرة ثانية، وقال له إنهم سيدفعون ثمن المياه التي سيشربونها، وأصر الملك على رفضه، وكانت النتيجه أن موسى والشعب ابتعدوا عن مكان الشر (عدد20: 14-21). فأول طريقه لمواجهة الشر هي الابتعاد عنه، وهذا تصرف حكيم وعاقل

2) مواجهة الشر بالشر لكن على مستوى الفكر

مثلما يحدث عندما يتضايق الإنسان ويطلب في نفسه الانتقام من الشخص الذي أساء إليه، لكن كل هذا على مستوى الفكر، فهو يواجه الشر بالفكر الشرير مما يسبب له ضيقًا وتفقد النفس صفاءها.

3) أن يواجه الشر بشر مثله

مثل من يرد الشتيمة بشتيمة، والإهانة بمثلها، وهكذا... وكل هذا ليس من الوصية المسيحية.

4) مواجهة الشر بالفعل

مثلما حينما يحتد النقاش بين شحصين، فيتهور أحدهما ويقتل الآخر، فالشر شر كلام وتحول إلى شر أفعال وإلى إيذاء، وحوّل الشر إلى شر أصعب منه.

ولكن المسيحية تعلمنا «أنْ لا يُجازيَ أحَدٌ أحَدًا عن شَرٍّ بشَرٍّ»، هذه هي وصية المسيح، وهذا هو سمو المسيحية، فقد يشتمك شخص، ومن ممكن أن ترد عليه الشتيمة أو الإهانة أو السخرية، ولكن المسيحية تعلمنا أن ترد بعبارة جميلة جدًا: "الله يباركك"، فالوصية تقول: «نُشتَمُ فنُبارِكُ» (1كو4: 12)، وهذه هي وصية الإنجيل، والإنسان له الحرية أن يقبلها ويطيعها. لو رجعتم لقصة يوسف الصديق، وما صنعه معه إخوته من أذى، ولكنه لم يصدر عنه أبدًا أي شر، حتى حبن وقع إخوته في يده، وكان يمكنه أن ينتقم لنفسه، لكنه لم يصنع هذا أبدًا، بل أكرمهم أكثر وأكثر.

يقول القديس الأنبا بيمن عبارة جميلة: "الشر لا يُغلَب بالشر، ولكن أن أساء أحد إليك فأحسن أنت إليه، فإنك بإحسانك إليه تستأصل الشر، لأنه ينبغي أن لا نكافئ شرًا بشر". الشر مثل النار، والنار لا تُطفَأ بالنار، بل بالماء.

ما هي أسباب وجود الشر؟

السبب الأول هو الشيطان

والشيطان كان ملاكًا، وأراد أن يرفع كرسيه فوق كرسيّ الله، فانحدر من رتبته وصار شيطانًا بالاستكبار (كما تقول المديحة) أي بالكبرياء. والشيطان هو الذي يحرك الناس لفعل الشر، يضع أفكارًا في عقل الإنسان تجعله يقع في شرور كثيره عشان، لذلك نصلي في صلاه الشكر: "كل حسد، كل تجربة، كل فعل الشيطان، مؤامرات الناس الأشرار، وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين، انزعها عنا وعن سائر شعبك"، فالشيطان قد يجند آخرين لصنع الشر.

السبب الثاني هو الكرامة

ونقصد بالكرامة هنا الذات، ومن أكثر الأمثله في الكتاب المقدس قصة هامان ومردخاي في سفر أستير، فعندما كان هامان يدخل للقصر، كان الجميع يسجدون له إلّا مردخاي، فبدأ هامان يُجلَد من كبريائه، وابتدأ يفكر في الشر، فعمل صليبًا كبيرًا لكي يصلب عليه مردخاي وينتقم منه، ولكن الله صاحب التاريخ وسيد الأحداث، قلب لبموضوع كله بين عشية وضحاها، وتذكر الملك يومًا مردخاي أنقذه، فسأل هامان كيف يكرم هذا الرجل؟ فأخذ هامان يعدّد في وسائل التكريم ظانًّا أن الملك يريد أن يكرمه هو، ولكن الملك فاجأه بأن قال له «أسرِعْ وخُذِ اللِّباسَ والفَرَسَ كما تكلَّمتَ، وافعَلْ هكذا لمُردَخايَ اليَهوديِّ الجالِسِ في بابِ المَلِكِ. لا يَسقُطْ شَيءٌ مِنْ جميعِ ما قُلتَهُ» (أس6: 10). هذه يد الله في الأحداث، ويد الله تدخل وتعمل في وقت لا يتخيله إنسان، أرأيت كيف أن هامان الذي أراد صلب مردخاي أصبح هو المسئول عن إكرامه.

السبب الثالث روح الانتقام

الإنسان أحيانًا يسمح لنفسه أن يتكوّن في داخله روح الانتقام، وليس من الضروري أن يكون الانتقام في التو واللحظة، فهناك من يخطط له على مدى بعيد، لهذا قال بولس الرسول: «لا تنتَقِموا لأنفُسِكُمْ أيُّها الأحِبّاءُ، بل أعطوا مَكانًا للغَضَبِ، لأنَّهُ مَكتوبٌ: ليَ النَّقمَةُ أنا أُجازي، يقولُ الرَّبُّ» (رو12: 19)، انتبهوا لهذه الوصية، لا تنتقموا لأنفسكم، اغضبوا ولكن بعقل وحكمة وروية، ثم يوضّح لنا أن النقمة للرب، فيجب ألّا تفكر في الانتقام. روح الانتقام موجود في عادات بعض الشعوب، فمثلًا عندنا في مصر توجد عادة الثأر، وهي ليست من المسيحية في شيء.

السبب الرابع عدم الاحتمال

نصلي كل يوم في صلاة باكر فور أن نستيقظ: «محتملين بعضكم بعضًا في المحبة، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل». فإذا ضايقك شخص أو صنع أمامك شرًا أو قال كلمة رديئة، تذكر الوصية: "محتملين بعضكم بعضا في المحبة". وربما الكثير من مشكلات الأحوال الشخصية التي نواجهها اليوم، تكون البداية تبعها عدم الاحتمال. نتذكر مونيكا البارة أم القديس أغسطينوس، كيف كان زوجها يهينها باستمرار، لكنها كانت تحتمل. وعلى فراش الموت، أعلن الزوج إيمانه بالمسيح ومات مسيحيًا، كل هذا بسبب أن زوجته احتملته، وهذا الاحتمال له إكليل ويراها الله. لذلك لا تصنع شرًا بل كن ناضجًا واحتمل الآخرين في المحبة.

لماذا تطالبنا الوصية بأن لا يجازي أحدٌ أحدًا عن شر بشر؟

لأن النتائج تكون مدمرة...

+ أول نتيجة وأخطرها الحرمان من الملكوت، فمن يبغض أخاه فهو قاتل نفس (1يو3: 15)، وكل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه. لقد وعدك السيد المسيح بأن يكون لك مكام في السماء معه، فهل يا ترى تحافظ على مكانك وتشتاق له؟ لو في ساعة الغضب أو ساعة الشر تذكرت مكانك في السماء، فلن تجازي شرًّا بشر، ولن تجازي إنسانًا بحسب شره.

+ النتيجة الثانية هي القلق والاضطراب، الإنسان الذي يصنع الشر لا يجد راحة، بل دائمًا ما يكون متوترًا، فالشر تنعكس نتيجته على من يصنعه، في حين أنك لو صنعت خيرًا، ستجد راحة. اسمع الكتاب يقول: «تعالَوْا إلَيَّ يا جميعَ المُتعَبينَ (من شرور الآخرين) والثَّقيلي الأحمالِ، وأنا أُريحُكُمْ» (مت11: 28). فلو صنع إنسان بك شرًّا، اتجه إلى مسيحك وصلِّ من أجل هذا الإنسان، أمّا إذا رددتَ أنت الشر بشر، فستعيش في قلق واضطراب وعدم الراحة، ويغيب عنك السلام والسكينة تمامًا. لا تندفع نحو الشر، بل تمثّل بالسيد المسيح في المغفرة، الذي وهو على الصليب كانوا يصنعون به شرورًا كثيرة، ولكنه طلب لهم الغفران.

أتريد أن تعالج الشر؟

أ) تمسك بالمسيح، تمسك بالمغفرة، حلّ المشاكل بكلمة طيبة تقولها، إن أخطأ إليك أخوك سبع مرات في اليوم فاغفر له. هذه هي مسيحيتنا، وهكذا تكون طاعتنا للوصية الكتابية.

ب) تعلّم العتاب الراقي، ليكن العتاب مبنيًا على أرضية المحبة، واختر كلماتك بعناية فائقة، لأنه من الممكن أن تفسد كلمة علاقة. كن هادئًا في عتابك كما كان السيد المسيح مع الكتبة والفريسيين الذين كانوا يقاومونه.

جـ) ضبط النفس، ضبط النفس يجعل الإنسان يستطيع أن يحوّل المشاعر السلبية في مواقف الشر، يحوّلها على كتفي المسيح، ويضبط نفسه، ويفكر كيف أن الأيام كفيله أن تنهي هذا الشر. كلكم تذكرون الكلمة الجميلة التي كان يقولها البابا شنوده: "مسيرها تنتهي".

لا تنسوا أن إلهنا الصالح عندما يتعامل معنا، يتعامل من خلال قوانين ثلاثة: القانون الأول: الله محب البشر. القانون الثاني: إنه صانع خيرات، وخيرات الله لا تنتهي لكل البشر. القانون الثالث: هو ضابط الكل، ونثق أن يد الله هي التي تضبط حياه البشر كلها.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx