اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون22 سبتمبر 2017 - 3 توت 1734 ش     العدد كـــ PDFالعددان 37-38

اخر عدد

حياة القداسة

قداسة البابا تواضروس الثانى

22 سبتمبر 2017 - 3 توت 1734 ش

علاقتنا بالقديسين علاقة تجعل السماء قريبة إلى الأرض، ونحن نقول كل يوم في السنكسار: "نعيّد في هذا اليوم بتذكار القديس فلان أو القديسة فلانة"، ولهذا سنتكلم اليوم عن حياة القداسة لكي لا تظن أن القداسة لناس معينين ولكن القداسة لنا جميعًا، ولكن كيف؟

يقول معلمنا بولس الرسول: «لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ... لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي الْقَدَاسَةِ» (1تس4: 1-7).

القداسة كلمة من الكلمات التي نستخدمها كثيرًا. نقول: "قدوس الله. قدوس القوي. قدوس الحي الذي لا يموت..."، والكتاب الذي فيه الوصية نسميه "الكتاب المقدس"، والكنيسة نصفها بأنها "كنيسة واحدة مقدسة"، وفي القداس نمسك في أيدينا كتاب "الخولاجي المقدس"... والإنسان المسيحي حين يعيش في هذة الحياة نقول عنه "قديس"، والذي يزور المواضع المقدسة نطلق علية لقب "مقدس"... فما هو موضوع القداسة التي هي للجميع؟

أولًا: لابد أن تفهموا أن القداسة ليس بلوغ الحياة المقدسة في كمالها، ولكن القداسة في المفهوم الأرثوذكسي هي الإنسان السائر في طريق الله والمشتاق إلى هذه القداسة، شخص دائمًا لديه اشتياق أن يكون أفضل روحيًا، ولهذا عندما كان القديس بولس الرسول يرسل الرسائل للمؤمنين كان يدعوهم "قديسين" و"مقدسين".

ثانيًا: القداسة هي نعمة يمنحها الله لنا من خلال جهادنا وحياتنا الروحية، ويقول لنا في القديس بولس في الآية التي ذكرناها: «هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ»، أي أن الله يريد منّا أن نصير قديسين: الكبير والصغير، القريب والبعيد...

ثالثًا: القداسة لا تتعارض مع الطبيعة البشرية، الوضع الأصيل للبشر هو القداسة، فعندما خلق الرب آدم وحواء في كانا في حالة القداسة، ولكن الخطية لما دخلت إلى العالم أفقدت الانسان هذة النعمة، مثلما خلق الله الإنسان صحيحًا ثم يأتي المرض كاستثناء لكن الوضع الأصيل هو الصحة. هكذا نجد أن القداسة ليست شيئًا نصل إليه، ولكن هي شيء نعيشة، وهي الوضع الأصيل لحياة الإنسان والخطية نوع من أنواع الاستثناء في الحياة. القداسة تعني حالة جهاد مستمر ومتواصل، يقول لنا الكتاب المقدس آية جميلة «لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ» (غل5: 17)، فإذا قاد الجسد حياة الإنسان يتعرض للسقوط، أمّا الروح عندما تقود حياة الانسان فإنه يستمر في النمو والارتفاع.

كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياة القداسة؟

1) علّم نفسك كيف تكره الخطية من قلبك

الكتاب يقول على فم السيد المسيح إن العالم شرير، لذا علّم ذاتك كيف تكره الخطية، علّم نفسك أن لا تميل للخطية ولا شبة الشر، جميعكم تذكرون كيف تعرّض يوسف الصديق لمتاعب كثيرة، ولكن عندما وقف أمام امرأة فوطيفار وقال هذة العبارة العظيمة «فكيفَ أصنَعُ هذا الشَّرَّ العظيمَ وأُخطِئُ إلَى اللهِ؟» (تك39: 9). أتعلمون لماذا توجد أصوام كثيرة في الكنيسة؟ لكي يدرّب الإنسان إرادته فتستطيع الوقوف أمام الخطية وتقول لا. مشكلة الإنسان أن الإرادة أحيانًا تصبح ضعيفة، وأبسط شيء يمكن أن يشدة إلى الخطية، لذلك فالصوم يعلّمنا مبكرًا كيف نقف ونقول لا. بل حتى في تربية الأطفال، نربي أولادنا بكلمة نعم ونربيهم أيضًا بكلمة لا.

2) اجعل لقلبك بابًا

قلبك مثل الشارع أو مثل البيت، وهناك فرق كبير بينهما. البيت به باب والشارع لا يوجد به باب، تخيل معي أن بيتك بدون باب، هل تستطيع أن تنام؟ أو أن تحرس أشياءك؟ هل تستطيع أن تستريح؟ اجعل قلبك مثل البيت، ليس كل شيء يدخل قلبك، ولا كل فكرة أو شهوة، ولا كل علاقة. لا تجعل العالم يعيش بداخلك. كنيستنا الجميلة التي هي أمنا، في كل قداس بعدما نقرأ الكاثيليكون تقول لنا "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يمضي وشهواته تزول"، وهذه نصيحة تقدمها الكنيسة كل يوم. العالم يوجد به موضات كثيرة ولكن الشاطر الذي يعرف أن يختار المناسب له. الإنسان الذي يسير في طريق القداسة يعلم نفسه ان يكون له هذا الباب، مثل قول داود النبي: «اجعَلْ يا رَبُّ حارِسًا لفَمي. احفَظْ بابَ شَفَتَيَّ» (مز141: 3). علّم نفسك أن تعيش في العالم لكن العالم لا يعيش فيك، وليس معنى هذا أن نكره العالم ولكن لا تجعل العالم وكل الذي فيه ينسيك طريقك. الذي يعيش في الشارع فكل من هبّ ودبّ – كما نقول في المثل – يدخله. إذًا اجعل لقلبك بابًا لا يدخل منه العالم إلى قلبك.

3) رأس مال الإنسان المسيحي هو المحبة

نحن لا نملك إلّا هذه الوصية، وصية المحبة، "أحبوا بعضكم بعضًا". المحبة أحد المعايير الرئيسية التي يتعامل بها السيد المسيح مع البشر، والمحبة كما يقول القديس يوحنا الحبيب «يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللِّسانِ، بل بالعَمَلِ والحَقِّ!» (1يو3: 18). محبة اللسان أرخص شيء، ولكن نحن نحب بالعمل والحق، من كل القلب.

مشكلة العالم المعاصر أن المحبة تناقصت جدًا، صار الإنسان جائعًا للحب. وعندما نسمع في الإنجيل السيد المسيح يقول: «جُعتُ فأطعَمتُموني» (مت25: 35)، فليس المقصود الجوع للأكل أو الشرب فقط، لكن أيضًا الجوع للمحبة. يقول القديس أغسطينوس: "حب الكل فيكون لك الكل".

العالم يا إخوتي يحتاج إلى هذا الحب، وكل القديسين والشهداء نتذكر لعم هذا الحب الجارف. تحكي قصص الشهداء عن الشهيدين ديديموس وتيودورا. قُبِض على تيودورا لكي تنكر الإيمان بالمسيح فرفضت، فأرسلوها إلى أحد بيوت الخطية، وفي الليل دخل إليها ضابط مؤمن اسمه ديديموس وألبسها ثيابه وهرّبها. وفي النهار عندما اُكتُشِفت الخدعة ساقوا ديديموس إلى ساحه الاستشهاد، وفوجئ الجميع بفتاة تجري نحوه وتصرخ وتقول: "لا تسرق إكليلي"، وكانت النتيجه أنهما اُستُشهِدا في نفس اليوم. الحب الذي ملأ قلبيهما جعل حكايتهما تصل إلى الاستشهاد. إذا أردت أن تعيش القداسة أحبب من قلبك وليس على مستوى المجاملة، حُب المسيح الذي أحبك. المحبة تعني شيئين أساسيين: أن يكون عندك القدرة أن تسامح الآخر، وأن تستطيع أن تنسى الإساءة، أليس هذا ما فعله معنا السيد المسيح؟ كل الذين عاشوا في القداسه عاشوا في هذا الحب الكامل، القداسة تعني الحب، حب غير مشروط.

4) الوسائط الروحية

السماء غالية، ووصولها فيه تعب وجهاد متواصل. هل لك إنجيل وصلوات كل يوم؟ هل لك خدمة وأعمال رحمة كل يوم؟ هل لك ابتسامة تقدمها لكل أحد؟ هل تفرح كل من يقابلك؟ هل تجلس كل فترة وتحاسب نفسك، وتكون لك جلسة مع أب اعترافك؟ إذا كنت بالأمس شريرًا، فلتكن اليوم صالحًا. ابدأ بداية جديدة كل يوم. هل في حياتك التوبة؟ المبادئ الروحية والوسائط الروحية التي نعيشها في ممارسة الأسرار ونتعلمها من الكتاب المقدس، أتُرى نعيشها في خياتنا اليومية أم هناك أشياء أخرى تشغلك؟ لكي تصل للقداسة يجب أن تمارس الوسائط الروحية.

حياتك الروحية مثل الصليب، تبتدئ تكره الخطية من كل قلبك، ثم تضع لقلبك بابًا، وتملأ قلبك بالمحبة لكل أحد، ثم يكتمل الصليب في حياتك من خلال الوسائط الروحية التي تربط بينك وبين السماء، وهكذا تصبح حاملًا الصليب في حياتك، وتصير في زمرة القديسين.

«هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ»، الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة. كونوا قديسين كما أن أباكم قدوس. في بداية السنة القبطية الجديدة، قل للرب: أنا أريد أن أعيش في القداسة. أنت يا رب أعطيتني نعمًا كثيرة، وسترت عليَّ في أشياء كثيرة، وباركت بيتي وأسرتي وكنيستي وعمري وعملي. وأعطيتني يا رب هذه السنة لأحيا فيها بالقداسة. ساعدني يا رب، وأعدك أن أكره الخطية من كل قلبي، وأن يكون لقلبي باب يحرسه، وأن أملأ قلبي بالمحبة، وأعيش بالوسائط الروحية.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx