اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون29 ديسمبر 2017 - 20 كيهك 1734 ش     العدد كـــ PDFالعدد 51-52

اخر عدد

تدريب روحي لعام 2018م

قداسة البابا تواضروس الثانى

29 ديسمبر 2017 - 20 كيهك 1734 ش

بمناسبة استعدادنا للعام الجديد 2018م، أحب أن يكون تأمل هذه الليلة في مزمور رقم رقم 18 وهو مزمور طويل (50 آية)، وقد صلي به داود النبي بعد أن أنقذه الله من أعدائه ومن يد شاول الملك. المزمور به تسبيح وعبارات جميلة ومعانٍ جميلة تصلح لنا جميعًا كأفراد أو مجموعات سواء الكنيسة أو الأسرة، ويصلح أن يكون تدريب روحي نبتدئ به السنة الجديدة.

وسنتأمل فقط في الكلمة الأولى «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي»...

أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي.. ونحن نستعد لاستقبال عام جديد يجب أن يكون لنا خطة ويجب أن يكون لنا رؤية لهذا العام الجديد، فلتكن لنا هذه الكلمة شعارًا لنا «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي». ولكن ماذا تعني أحبك يا رب أو ما يقصده داود النبي؟

«أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي» لها خمسة أبعاد تشرحها، وكما ذكرت في مرات سابقة أن رقم خمسة يُعبّر عن القوة (مثل أصابع اليد). «أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي» اختصر فبها المرنم خمس كلمات في كلمة واحدة، ووضعها أمامنا لكي يمكن أن تكون تأملنا أو يمكن أن نسميه خريطة طريق للعام الجديد.

المعنى الأول: الشكر أول معنى لكلمة أُحِبُّكَ «أنني أشكرك» أشكرك يا رب.. العام الماضي بأيامه بما فيها أمور حلوة وأمور مُرّة عبر، ومثلما نصلي صلاة الشكر «نشكرك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال»، ومثلما تعلمنا كنيستنا أن بداية صلواتنا دائمًا هي بالشكر، وبداية يومنا هي بالشكر، ونشكر الله على عطاياه السبعة الكبيرة التي يعطيها لنا (سترتنا، وأعنتنا، وحفظتنا، وقبلتنا إليك، وأشفقت علينا، وعضدتنا، وأتيت بنا إلى هذه الساعة)، هذه العطايا التي يمنحها الله لنا جميعًا.

أنا يا رب أحبــــــــــك.. هذا الحــــــــــب يبـــــــدأ دائمًا بالشكر، أشكرك على كل ما صنعته معي في العام الماضي، أشكرك على كل ما فعلته وقدمته سواء على المستوى الشخصي أو المستــــوى الجماعي، أشكرك يا رب على أمور كثيرة في حياة الإنسان دبرتها ورتّبها، ويقف الإنسان أمام الله قائلًا له: ماذا أقول يا رب أمام حسناتك الكثيرة وعطاياك الجليلة في كل صباح؟

ويعلمنا الآباء أنه ليست موهبة بلا زيادة إلا التي بلا شكر، يشكر الإنسان على كل شيء، حتى على الألم والتعب وأحيانًا على الخسارة. أحيانًا يتذمر الإنسان على حياته، فقد كان يأمل أن يتحقق شيء ولم يتحقق.. وتذمُّر الإنسان يتعبه وينسيه الشكر.. يمكن أن تشكر على كل صغيرة وكبيرة، على الصحة، على الخير الذي بين يديك كثر أم قلّ، على صداقاتك ومعارفك، بل وعلى الفخاخ التي نجاك منها، على عطايا الأكل والحماية والملبس والهواء الذي نستنشقه. لو جلس الإنسان لكي ما يعدد عطايا الله له لن يحصرها أبدًا.

المعنى الثانـــــــي: التوبــــــــة أُحِبُّكَ يَا رَبُّ، يَا قُوَّتِي... يعني أنني أتوب إليك.. في العام الماضي يمكن أن يكون الإنسان قد صنع بعض الأمور الخاطئة أو انجرف إلى بعض الضعفات أو بعض السهوات أو بعض الخطايا أو بعض التقصيرات، خطايا صنعها بمعرفة وخطايا صنعها بغير معرفة، خطايا خفية وخطايا ظاهرة، خطايا بإرادة وخطايا من غير إرادة. لذلك مع بداية عام جديد، جيد جدًا أن الإنسان يقدم توبة: «أتوب إليك يا رب، توّبني، أنا أحبك وأعرف إنك لا تحب الخطية لكنك تحبني حتى عندما أكون خاطئًا، لا تحب خطيتي ولا تريدها ولكنك تحب الإنسان حتى وإن كان خاطئًا، تحبه كإنسان».

هل لك جلسة اعتراف وجلسة توبة حقيقية؟ هل تقدر في نهاية السنة أن تفرغ قلبك؟ هل تظنون أنه يمكننا أن نضع في كوب شيئًا صالحًا للشرب وآخر غير صالح للشرب في نفس الوقت؟ لا يمكن..! هل عزمت على التوبة وأن تنقي قلبك؟ أن تبدأ السنة الجديدة بقلب سليم؟ فكّر كيف تسكّن ضعفاتك وكيف تنقي قلبك، لأنه بدون نقاوة القلب لن يعاين أحد الله. لذلك تضع الكنيسة مزمور التوبة في بداية الصلاة هو تعبيرًا عن هذا البُعد في حب الله. مزمور التوبة مزمور فردي (أرحمني يا الله كعظيم رحمتك...)، ونقول في نهاية كل ساعة بالأجبية «ارحمنا يا الله ثم ارحمنا» بصيغة جماعية... التوبة الجماعية مجموع توبة الأفراد.. هل تطبق عبارات المزمور الخمسين على نفسك؟ هذه المزامير أو قطع الصلوات بصفة عامة هي مقاييس نقيس عليها أنفسنا، فترى أين أنت من مزمور التوبة، أين أنت من كلماته وعباراته ومشاعره ودموعه. أحبك يا ربي يا قوتي، أنت هو توبتي، وأنت الذي تساعدني على هذه التوبة.

المعنى الثالث: الوعـــــد أعدك يا رب.. فرصة قوية جدًا مع بداية العام الجديد لكي تَعِد الله بتعهدات فمك لكي ما يباركك. كنت مقصرًا في الإنجيل، في الصلوات، في الأصوام، في الحياة الروحية بصفة عامة، في الاعتراف، في النسكيات، في ممارسة الأسرار... فما رأيك أن تقدم وعودًا لله من اليوم؟ قدم وعدًا بقلبك، قل: أعدك يا رب ولكني أريد منك أن تقويني. بماذا يا تُرى ستعد ربنا في نهاية السنة وأنت تستقبل عامًا جديدًا؟.. وعود تخص حياتك الروحية، حياتك الاجتماعية... ممكن أن تتصالح مع من تخاصمهم، ممكن أن تعد الله أنك تُحسّن طريقة تربية أولادك وبناتك. أحيانًا الآباء والأمهات تربيتهم يكون بها شىء خاطىء، ها توعد ربنا بإيه؟

ربنا منتظر وعدك، منتظر تعهدات فمك، وهذه التعهدات هي تعهدات قلبية. لا أريد فقط أن تقدم لله وعود، ولكني أريد أيضًا أن تقدم لإلهك أحلامًا واشتياقات، أحلام في الدراسة في الخدمة في العمل، أحلام في الحياة بصفة عامة... الأحلام تعني أن أن الإنسان حيّ، فالإنسان الميت لا يحلم. وعودك وتعهدات قلبك وأحلامك واشتياقاتك تأتي بها جميعها وتضعها أمام الله.

المعنى الرابـــــــع: الصــــــــلاة

الصـــــــــلاة هي العمــــــــل الأسمى الذي يمكــــــن أن يمارســـــــــه الإنســـــــــان على الأرض، هو بمثابة خيـــــط رفيع يربطك وأنت على الأرض بالله في السماء. وأقصد هنا الصلاة التي تنبع من القلب، لا من اللسان فقط، الصلاة التي هي لقاء شخصي بينك وبين المسيح، وتتشفع في الصلاة بقديسين يكونون شهودًا على هذه الصلاة، صلاة حقيقية من قلبك، تعبّر فيها عن حبك وشكرك وتوبتك وعن اشتياقاتك، وتعبر فيها عن طلبك واحتياجك ليد الله القوية أن تعمل معك. عمل الصلاة قوي، فطلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها، ولنا في التاريخ قصة جبل المقطم كمثال لهذا. اجعل صلواتك مرفوعة ولا تنشغل بالأمور المادية والاقتصادية والكلام الكثير والأحداث، وناس تتحدث عن كل شيء إلا الأبدية!

المعنى الخامس والأخير: أخدمـــــــك أحبك يا رب لا حبًا نظريًا، ولكن أعبّر عنه عمليًا بخدمة المحتاج، المريض، الجائع، العطشان، المحبوس، المأسور، اليتيم، وخدمة أصحاب الاحتياجات الخاصة، والخدمة بكل اتساعها. فأنت لا تخدم أحدًا من الناس ولكنك تخدم الله في عيون ونفوس وفي أشخاص هؤلاء. والخدمة يا أحبائي يجب أن تكون لكل أحد بدون استثناء لأنك تخدم الله في أشخاص الناس، ويكون لديك روح الخدمة والعمل، فمن يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل فتلك خطية.

نصلي كل يوم صباحًا جزءًا من الاصحاح الرابع من رسالة أفسس ونقول عبارات جميلة: «اسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتهم إليها...»، فأنت دُعيت لكي ما تخدم، بكل صور الخدمة. من القصص اللي تعجبني كثيرًا قصة في القرن الثالث أو الرابع الميلادي، حبنما كان الجنود متجهين جنوبًا وعسكروا عند إسنا، فخرج أهل إسنا الكرام وأطعموهم وأكرموهم، فسأل جندي وثني زميله: لماذا هؤلاء الناس يفعلون هذا معنا؟ فقال له لأنهم مسيحيون. لقد خدموا بهذه الوسيلة، وكان طبق الأكل الذي قُدِّم وسيلة لجذب قلب إنسان صار فيما بعد القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة. ولهذا فإن الخدمة ليست فقط هي خدمة تعليم أو خدمة مدارس أحد، بل لها اتساعات كبيرة جدًا بأشكال كثيرة جدًا، ويمكنك أن تبتكر شكل الخدمة التي ستخدمها.

الخلاصــــــــــة... ونحــــــــن نبتـــــــــدئ عامًا جديدًا (2018)، نصلـــــــــي أن يكـــــــــون عامًا سعيدًا على الجميع، وأن تنعم مصر وكل شبعها بالخير وبالفرح والسلام والمحبة. ونأخذ هذا المزمور كتدريب لكنائسنا وأسرنا، وكل بيت يمكنه أن يقرأ هذا المزمور، ويمكن أن تكبته وتضعه في مكان ظاهر، ويكون أمامك وتصلي به، وتتذكر أنه عندما وقف داود النبي وقال «أحبك يا رب يا قوتي» كان يقصد هذه الأفعال الخمسة: أشكرك، أتوب إليك، أعدك، أصلي لك، وأخيرًا أخدمك في كل مكان.

وكل سنة وأنتم طيبون



  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx