اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4818 سبتمبر 2020 - 8 توت 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 35-36

اخر عدد

لا تُعيّر المرتد عن الخطية (سي8: 6)

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

18 سبتمبر 2020 - 8 توت 1737 ش

يحذّرنا ابن سيراخ قائلًا: «لا تُعيِّر المرتدّ عن الخطية. اذكر أنّا بأجمعنا نستوجب المؤاخذة» (سي8: 6). وتعيير شخص في اللغة العربية هو تقبيح فعله، ونسب العار والعيب إليه. والتعيير هو خطية مُركّبة لها أشكال كثيرة: منها النميمة عن ضعفات الشخص ومساوئه، والإدانة، وعدم الغفران للمسيء؛ وأقبحها التشهير، والتشويه، والفضيحة، والإذلال: «تجعلنا عارًا عند جيراننا، هزأة وسخرة للذين حولنا» (مز44: 13). وعندما وصف المرنم الرب يسوع بروح النبوة قال: «العار قد كسر قلبي فمرضت. انتظرت رقّة فلم تكن، ومعزّين فلم أجد» (مز69: 20). فالسيد المسيح حمل عار خطايانا على نفسه في الصليب، وبالتالي حمل تعييراتها أيضًا: «واللذان صُلِبا معه كانا يعيّرانه» (مر15: 32). من ثَمّ يكون كل تعيير على خطية (سواء تاب عنها الشخص أم لا) هو مُوجَّه لشخص المسيح نفسه، حتى أنه يقول لكل واحد منّا: «تعييرات مُعيِّريك وقعت عليَّ» (مز69: 9). ويكون المحرك الحقيقي لهذه الخطية هو عدو الخير نفسه الذي من بين ألقابه الكثيرة لقب "المعيِّر والشاتم": «اليوم كله خجلي أمامي، وخزي وجهي قد غطّاني. من صوت المعيّر والشاتم. من وجه عدو ومنتقم» (مز44: 15-16).

لذا تُعتبر خطية التعيير من أقبح الخطايا في عيني الله، وتجلب على من يقع فيها لعنات مُرّة، ليس فقط في نفسه بل وفي علاقاته أيضًا: «الاستهزاء والتعيير شأن المتكبّرين، والانتقام يكمن لهم مثل الأسد. الشامتون بسقوط الأتقياء يُصطادون بالشرك، والوجع يفنيهم قبل موتهم» (سي27: 31-32)؛ «إن فتحت فمك على صديقك فلا تخف فإنه يُصالـِح إلّا في التعيير والتكبر وإفشاء السر والجرح بالمكر، فإنه في هذه يفرّ كل صديق» (سي22: 27).

وأقبح أنواع التعيير هي تعيير التائب على خطيته. لأنه يُعد مقاومة سافرة لمقاصد الله الخلاصية الذي هو صاحب الحق الوحيد في الدينونة ومع ذلك يغفر بل ويمحو: «أنا أنا هو الماحي ذنوبكِ لأجل نفسي، وخطاياكِ لا أذكرها» (إش43: 25)؛ «فإنك طرحت وراء ظهرك كل خطاياي» (إش38: 17). أيضًا لأنه معثرة للتائب حيث يبدأ في التشكُّك في غفران الله له، ومن ثَمّ قد يقع في اليأس والارتداد. كما أنه معثرة لسامعي التعيير الذين قد يفقدون احترامهم للشخص المعَيَّر ويدينونه بعد أن تعرّى أمامهم. بالطبع ينطبق هنا قول السيد المسيح: «ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة» (مت18: 7).

ومع الأسف صارت تلك الخطية القبيحة منتشرة في تلك الأيام في مجالات وسياقات الكثيرة، وارتدت ثوبًا زائفًا لفضيلة الدفاع عن الحق، ومقاومة الفساد في الآخرين. فلا يكاد يخلو شجار بين زوجين من هذا النوع المدمّر من التعيير. فيظل أحد الزوجين يذلّ الآخر بخطأ أو خطية تاب عنها منذ زمان بعيد، وبل ولا يتورّع عن تذكيره بها كل حين، وفي بعض الأحيان في حضور آخرين من الأبناء أو باقي أفراد العائلة. تنتشر أيضًا تلك الخطية البغيضة في التربية، فقد يقع الطفل أو المراهق في خطأ ما يندم عليه ويعتذر عنه، لكنه بمجرد أن يقع في خطأ جديد يعيّره أحد والديه أو كلاهما على كل ما سبق من أخطائه! أما أكثر المجالات عثرة فهي مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت أداة قوية في يد عدو الخير يتلذّذ فيها بمذلّة وتعيير التائب، محاولًا تدميره بالعار والتشهير.

ليت روح الله القدوس يتوّبنا عن تلك الخطية المميتة فنتوب. لعله يعلمنا كيف نصير على صورة الابن ساتر خطايانا، وكيف نتشبّه به فنحمل عار إخوتنا علينا، فلا نسمع ذلك الصوت المرعب: «أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إليّ أفما مان ينبغي أنك أنت أيضًا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا؟» (مت 18: 32-33).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx