قبول موت المخ لإعلان وفاة الإنسان، أمر له كثير من الأبعاد الطبية والقانونية والرعوية. وأريد أن أتناول الأبعاد الرعوية...
١-الأمراض المزمنة والحرجة:
عندما يتعرض أحد الأحباء لحادث أو مرض يؤثر على المخ، قد يتوقف الإنسان عن التنفس والقلب عن النبض لفترة. تُعتبَر هذه الفترة فترة حرجة وهامة جدًا لإنقاذ حياة المريض. طبيًا يحتمل المخ فترة ينبغي ألّا تزيد عن ثلاث دقائق يظلّ المخ فيها يعمل حتى لو كان المريض في غيبوبة. إنقاذ حياة هذا المريض يعتمد على سرعة إعادة تنفسه ونبضه. لذلك تطورت طرق الإسعاف السريع لإنقاذ حياة الكثيرين. لو كان الموت هو التوقف عن التنفس وتوقف القلب عن النبض لاُعِتبر هؤلاء موتي ولم يتم إنقاذهم.
من الناحية الأخرى قد يدخل مريض في مرحلة حرجة تحتاج للعناية المركزة، حيث توضع أجهزة مثل أجهزة التنفس الصناعي والتغذية الصناعية، ويكون المريض في غيبوبة، وتستمر هذه الحالة فترة طويلة دون تقدم. ويخبر الأطباء أهل المريض أنه لا أمل في تقدم حالته ويطلبون منهم الموافقة على رفع الأجهزة عن المريض. لذا يلجأ أهل المريض إلى الكنيسة للسؤال هل يوافقون أم لا؟! لإجابة التي نقدمها لأهل المريض هي سؤال: هل الأطباء أعلنوا موت المخ موتًا كاملًا وتامًا؟ إن كان المخ قد مات بصفة كاملة ودائمة بشهادة الأطباء يكون المريض قد مات، ونزع الأجهزة لا يعني إماتة المريض. أما إن كان المخ لا يزال حيًا لو جزئيًا، وحتى لو توقف لفترة قصيرة ثم عاد للعمل، يُعتبر المريض حيًا حتى لو كان فاقدًا الوعي لمدة طويلة، ولا يجوز نزع الأجهزة عنه لأن معنى ذلك التدخل لإنهاء حياة المريض.
٢-نقل الأعضاء:
الكنيسة توافق على نقل الأعضاء لإنقاذ حياة مريض، ونقل الأعضاء يمكن أن يكون من إنسان حي لآخر مريض مثل التبرع بالكلية أو جزء من الكبد، ولكن هناك أعضاء لا يمكن نقلها من إنسان حي مثل القلب أو الرئتين أو الكبد، ولكن يمكن من إنسان مات حديثًا. طبيًا بعد موت الإنسان تبدأ أعضاؤه في الموت أيضًا فلا تصلح للنقل. لذا توجد فترة زمنية حرجة تختلف من عضو لآخر بين موت الإنسان وأخذ العضو منه إن كان أوصى بالتبرع بأعضائه بعد الوفاة.
قبول موت المخ كتحديد لوفاة الإنسان جعل من الممكن نقل الأعضاء من الإنسان المنتقل إلى المريض، خاصة الأعضاء التي لا يمكن نقلها من إنسان حي. كما أنها تقضي على تجارة نقل الأعضاء. لأنه في حالة عدم قبول موت المخ كعلامة لوفاة الإنسان لا يكون نقل الأعضاء إلّا من الأحياء. لذلك نجد أنه في الدول التي لا توافق قانونيًا على قبول موت المخ تزدهر فيها تجارة نقل الأعضاء، كما يستحيل فيها نقل أعضاء حيوية مثل القلب أو الرئتين أو الكبد. كذلك لا يستطيع أحد أن يوصي بالتبرع بأعضائه بعد الموت.
قبول موت المخ كعلامة لموت الإنسان له فوائده ولكن له مخاطرة ولذلك يحتاج لضوابط طبية وأخلاقية سوف نتناولها في اللقاء القادم.