اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5025 فبراير 2022 - 18 أمشير 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

بين الصوم والدين

نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

25 فبراير 2022 - 18 أمشير 1738 ش

لكل شيء في الحياة معنى وإذا فقد الإنسان المعنى فقد الحياة ذاته، لذلك أود أن ندرك بعض المعاني الهامة في حياتنا.. وليكن أول شيء هو:

الدين (Religion): وقد يفهم البعض الدين أنه فقط مجموعة عقائد أو مجموعة نظريات Theories)) بدون تطبيقات عملية، أو مجموعة نظم أو أنماط حياة أو قواعد تضع الناس في قوالب معينة.. ولكن جوهر الدين كمعنى أساسي كيف يمكن أن يحب الإنسان الله ويعبده وسط إغراءات هذا العالم الشرير ووسط حروب الشيطان ووسط جذب الماديات ومتاعب الجسد.. هذا هو جوهر الوصية الإلهية التي أعطاها الله للإنسان حين خلقه في جنة لا يحتاج فيها إلى شيء سوى الله، فكل شيء موجود وقد أعده الله للإنسان قبل خلقته، وحَذَّرَه من أن ينجذب إلى شيء بعيدًا عن الله، فكل ما يأكله يكون من يد الله وأن يكون الله هو الكل في الكل بالنسبة للإنسان، وأن يكون تعامله مع الخليقة كدائرة مركزها الله. هذا هو هدف الشرائع الإلهية التي نزلت من السماء عبر الأجيال، لذا إذا تمسك أحد بالشرائع بدون علاقة حقيقية مع الله أفقدها جوهرها، وتتحول إلى مجرد شكل بدون مضمون ووسيلة بلا هدف..

+ علاقة الصوم بالعبادة: يظن البعض أن الصوم هو مجرد علاقة بالطعام، بينما الصوم الحقيقي هو عبادة لله، ووصية حقيقية بدأ بها الله مع الإنسان، وطالما كان الإنسان متمسكًا بها حظي بشركة جميلة مع الله، ولكن حين كسر الوصية طُرِدَ من حضرة الله. لذلك حين تجسد ابن الله الكلمة وتبني قضية خلاصنا، صام 40 نهارًا وأربعين ليلة ليصحّح مسيرة البشرية نحو الله. وكما كنا في آدم الأول حين كسر الوصية، هكذا حين صام آدم الثاني وناب عنا بل صام عَنَّا ليعالج المشكلة.. وأوصي كبداية للصوم الحقيقي بما قاله (المزمور2): اعبدوا الرب... افهموا... تأدبوا (أي تغيروا).. وهو مزمور إنجيل قداس أحد الرفاع، والخطة التي رسمها لنا لأداء الصوم الحقيقي..

ولأن الصوم دليل لحب الإنسان لله وعلاقة حرصه على تقديم دليل قوي لمحبته لله ولوصياه لذلك يتحول الصوم إلى وسيلة قوية لتعميق حب الله في قلب الإنسان مما يقوده للعبادة النقية بالصوم والصلاة والتسبيح والليتورجيات في التسابيح والألحان والتأمل في كلام الله المقدس...

+ ملكية الله للجسد: وهذا هو منهج القداسة الحقيقية، فرغم أن القديسين كانت لهم أجساد مثلنا لها ميول وغرائز وعواطف، ولكن قدسوها جميعًا بالشبع من الله وتمليكه على الجسد وطاقاته، فصار الجسد هيكل الله وروح الله ساكن فيه، ومع تفعيل عمل الروح القدس بالصوم والعبادة تكون هناك تقويه للكيان الروحي بقيادة روح الإنسان المقودة بعمل الروح القدس، مما يجعل الجسد خاضعًا كعبد مطيع للروح، فالقمع يعني الخضوع لملكية الله وخدمة الأهداف الروحية، فيحيا الإنسان حسب الروح وليس حسب الجسد. وهناك تحذير في كلمات هامة للقديس بولس: «إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون»، وأيضًا: «مَنْ يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فسادًا، ومَنْ يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية» (2كو9: 6). ولخطورة الأمر نبّه السيد المسيح لعدم التهاون فقال: «إن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك، فخير لَكَ أن تدخل الحياة أعور من أن تدخل جهنم ولَكَ عينان» (مت18: 6-9)، أي أن قطع العثرة من العين يوصّل للحياة الأبدية وهذا مهم للجسد..

+ بالصوم نحقق إمكانية تغليب الروح على الجسد إراديًا، حتى نحقق ما كتبه لنا القديس بولس: «إن عشتم حسب الجسد فستموتون، لكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون» (رو8: 13)، فالصوم يُضعف إرادة الجسد المادية لتقوى إرادة الروح فننتصر لحساب وصايا الله، فنطيع الوصية الإلهية عمومًا ونعيش حسب إرادة الله لنا، كما نطلب في الصلاة: «لتكن مشيئتك».

+ بالصوم تَقوى الصلاة: كما يُجمع القديسون أن الصوم والصدقة هما جناحا الصلاة القوية والمقبولة أمام الله، فالصوم يجعل الجسد ذبيحة حب نقية لله: «قدموا أجسادكم ذبيحة حية مرضية عند الله عبادتكم العقلية» (رو12: 1-3).

الصوم أفاد أهل نينوى إذ قدموا تذلّلًا أرضى قلب الله، فرجع عن غضبه وغفر لهم خطاياهم، كما أفاد الصوم أستير بحكمة فائقة ساعدتها على خلاص شعبها، ونلاحظ أن كلًا من صوم نينوى وصوم اليهود أيام الملكة أستير كانا صومًا لكل الشعب بطريقة جماعية...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx