اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة 5008 أبريل 2022 - 30 برمهات 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

مقابلة الله في المستشفى

قداسة البابا تواضروس الثانى

08 أبريل 2022 - 30 برمهات 1738 ش

تحدثنا على مدار أسابيع الصوم عن إمكانية مقابلة المسيح ‏في أماكن متعددة. ‏بدأنا في المخدع، ‏وفي وقت الخلوة، ‏في البيت مع الابن الضال، وفي ‏مكان العمل مع السامرية، وفي أحد المخلع نتكلم عن أنه ‏يمكن مقابلة المسيح في المستشفى.

بِركة بيت حسدا على شكل كف اليد، وكلمة بيت حسدا هي كلمة عبرانية ‏معناها بيت الرحمة، مثلما نقول مستشفى المواساة ‏أو دار الشفاء... تخيلوا معي ‏المكان الذي يُطرح فيه المرضى بأمراض مختلفة: عمي، ‏وعرج، وإصابات العظام، ‏والشلل... من الممكن أن نسميها مستشفى الأمراض المستعصية. تقابل المسيح مع المفلوج وشفاه من ثلاثة أمراض:

(1) المرض النفسي: عندما سأله المسيح: «أتريد أن تبرأ؟»، ‏قال: «له ليس لي إنسان...»؛ هذا هو مرض الأنانية الذي يكون عند البشر، ولكن المسيح أتى له خصيصًا لكي يكون رفيقه، وهكذا يظهر لنا أن المسيح يتواجد في مكان الاستشفاء.

(2) المرض الجسدي: حين قال له المسيح: «قم احمل سريرك وامشِ»، تخيلوا كيف تيبّست عضلاته من طول مدة المرض، وعانى كثيرًا من شدة وقسوة ‏المرض، ‏لكن المسيح أعطاه شفاءً ‏من هذا المرض الجسدي.

(3) المرض الروحي: قال له: «لا تخطئ أيضًا...». يقول بعض الآباء إن المرض الذي عانى منه الرجل هو مرض مرتبط بالخطية ‏حسب مفاهيم العهد القديم، والمسيح كان يهمه ‏أن ينقذ نفسه من الأمراض الروحية بالتوبة.

وهكذا نرى المسيح يعمل على المستوى الجسدي والروحي والنفسي.. وتوجد آيات كثيرة ‏في الكتاب المقدس توضح لنا الصور الجميلة في الحياة الصحيحة. مثلًا في العظة على الجبل يقول: «‏كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات كامل» (مت5: 48)، و"كاملين" هنا بمعنى الصحة النفسية و‏الجسدية ‏والروحية. أيضًا يقول القديس يوحنا الحبيب: «‏أيها الحبيب في كل ‏شيء أروم ‏تكون ناجحًا وصحيحًا ‏كما أنا نفسك ناجحة» (3يو: 2). وفي سر مسحة المرضى، من العبارات التي نصليها: "وكما طهرت الأبرص بكلمتك ونزعت البرص من جسمه بإرادتك، هكذا انزع كل مرض من جسم عبيدك وقدسهم وطهرهم". لقد تقابل السيد المسيح مع مرضى كثيرين ‏وشفاهم، بل هو الطبيب الحقيقي لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.

مريض بيت حسدا لم يتوقع أن يقابل المسيح. كان له مدة كبيرة مطروحًا، ‏لأنه عندما دخل مستشفى بيت حسدا كان له أقارب ولكنهم تخلوا عنه ‏أو ربما يأسوا من طول مدة المرض، ولكن المريض قابل المسيح في المستشفى...

(1) الطبيب:

قد تقابل المسيح في شخص الطبيب المعالج، أو أي من العاملين بالمستشفى. طبيب ‏يمكن كلمة منه تكون رسالة من المسيح؛ في يشوع بن سيراخ ‏يقول عبارة جميلة: «أَعْطِ الطَّبِيبَ كَرَامَتَهُ، لأَجْلِ فَوَائِدِهِ فَإِنَّ الرَّبَّ خَلَقَهُ. لأَنَّ الطِّبَّ آتٍ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيِّ، وَقَدْ أُفْرِغَتْ عَلَيْهِ جَوَائِزُ الْمُلُوكِ. عِلْمُ الطَّبِيبِ يُعْلِي رَأْسَهُ، فَيُعْجَبُ بِهِ عِنْدَ الْعُظَمَاءِ»‏ (سي38: 1-3). والقديس لوقا كان طبيبًا، وقديمًا كان الطبيب يتعلم الفلسفة لذلك كنا نسمي الطبيب "حكيم"، لأن الحكمة هي الفلسفة ‏بمعناها الإيجابي. وفي تاريخ الكنيسة القديسان قزمان ودميان ‏شفيعا مهنة الطب ‏ولهم كنائس على اسمهما، ولهما أيقونة شهيرة فيها يعالجان ساق انسان من الغرغرينة. ضع في ذهنك أن تصلي قبل أن تتعامل مع الطبيب لكي يرسل لك الله رسائل عن طريقه، ‏سواء اكتشاف المرض أو التشخيص أو العلاج... الخ.

(2) التمريض:

يمكنك أن تقابل المسيح في شخص التمريض. ‏مهنة التمريض إحدى المهن السامية ‏للغاية في العالم، وأول ممرضة معروفة في المسيحية هي القديسة فيبي في روما، ‏وهي الشماسة التي أرسل معها بولس الرسول رسالته لرومية. كما نقرأ في تاريخ الكنيسة عن كثيرين ‏ومن أشهرهم القديسة فيرينا التي ذهبت مع الكتيبة الطيبية إلى سويسرا، وعلمت الناس ‏في أوروبا كيف يستحمون ويمشطون شعورهم، ولها تمثال في السفارة السويسرية بالقاهرة.

من خلال مهنة التمريض يمكن أن نسمع صوت ربنا، ‏ولذلك نسميها مهنة ملائكية. ‏شجعوا أولادكم لدراسة مهنة التمريض ‏لأنه يوجد احتياج شديد جدًا في المستشفيات ‏والعيادات لممارسة مهنة ‏التمريض. في كل أنحاء العالم ‏وفي التاريخ المسيحي نسمع عن الراهبات ‏في الكثير من الأديرة ‏اتجهن إلى مهنة الرعاية الصحية. وفي زيارتي إلى روسيا رأيت في أحد أديرة الراهبات مستشفى صغير فيه بعض الحالات الصعبة تحت رعاية الراهبات.

(3) المواد العلمية والطبية:

يمكن أن تتقابل مع الله من خلال المواد العلمية والطبية في الصحة مثل السماعة، وهي نعمة من نعم ربنا لأنه قبل وجود السماعة كانوا يسمعون بأذنهم! هذا أبسط جهاز، فكم وكم بقية الأجهزة الطبية! وهذا التقدم في الأجهزة الطبية هو من نعم الله علينا، وعلامات رعايته لنا.

(4) الأدوية

ترى المسيح موجودًا معك من خلال الأدوية، والني تتوافر الآن بكثرة، لكن زمن في الحرب ‏العالمية الثانية ‏من حوالي 70 أو 75 سنة لم يكن هناك مضاد حيوي، اليوم يوجد 2000 مضاد حيوي. الدواء هو وسيلة يتكلم بها الله للإنسان، حتى لو دواء بسيط مثل حبه الأسبرين. يقول يشوع بن سيراخ: «الرَّبُّ خَلَقَ الأَدْوِيَةَ مِنَ الأَرْضِ، وَالرَّجُلُ الْفَطِنُ لاَ يَكْرَهُهَا. أَلَيْسَ بِعُودٍ تَحَوَّلَ الْمَاءُ عَذْبًا، حَتَّى تُعْرَفَ قُوَّتُهُ؟ إِنَّ الْعَلِيَّ أَلْهَمَ النَّاسَ الْعِلْمَ، لِكَيْ يُمَجَّدَ فِي عَجَائِبِهِ. بِتِلْكَ يَشْفِي وَيُزِيلُ الأَوْجَاعَ، وَمِنْهَا يَصْنَعُ الْعَطَّارُ أَمْزِجَةً، وَصَنَعْتُهُ لاَ نِهَايَةَ لَهَا» (سي38: 4-7). الأدوية كلها من النباتات، بل إن كلمة صيدلي تأتي من نبات مزروع في الأرض اسمه نبات الصندل له وظائف علاجية. الدواء بصفة عامة ‏هو رسالة لك أن مسيحك بجانبك ويرعاك ويشفيك.

(5) مريض آخر

من الممكن أن تسمع صوت المسيح من مريض آخر مجاور لك، سواء في مستشفى أو عيادة الطبيب. أحيانًا يرسل لك الله مريضًا ‏لكي يخفّف عنك متاعب معينة، مريض عنده إيمان قوي ويقوّي إيمانك. أتذكر أنه من حوالي 20 سنة ‏قالوا لي عن ممرضة أُصيبت بالسرطان، كان عمرها 26 سنة واسمها مريم، فذهبت لأزورها ولا أدري ماذا سأقول لها، فوجدتها تقرأ في سفر الرؤيا وقالت إن هذا هو السفر الذي يحضّرها للسماء. وقتها تصاغرت نفسي في عيني، وتعلمت درسًا أن الإنسان فد يتقوّى إيمانه بسبب المرض الشديد.

أخيرًا: في مكان الرحمة أو مكان الاستشفاء تتقابل مع المسيح من غير ميعاد، فمريض بيت حسدا كان له 38 سنة في المرض، وليس له إنسان، ولكن صار المسيح رفيقه، وعمل معه معجزة باهرة، وعلّمه ألّا يخطئ مرة أخرى.. هكذا ‏أنت في كل مرة يسمح الله أن ‏تتعامل مع طبيب أو مستشفى أو عيادة في ظروف صحية متنوعة، كن مستعدًا أن تقابل المسيح، وسوف يمنحك نعمًا كبيرة، سواء راحة أو طمأنينة أو شفاء... المهم أن تتعامل مع المسيح بأشكال متعدّدة، له المجد إلى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx