اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة 5008 أبريل 2022 - 30 برمهات 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

سر مسحة المرضى والشفاء الجسدي

القس غريغوريوس رشيدي

08 أبريل 2022 - 30 برمهات 1738 ش

إن الإرهاصات الأولى لسر مسحة المرضى -شأن كل الأسرار- موجودة في العهد الجديد نفسه، فالأناجيل الأربعة تقدم لنا السيد المسيح كطبيب شافٍ لكل الأمراض، فهو نفسه قد قال: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى» (لوقا 5: 31)، مشيرًا بذلك إلى ذاته كطبيب حقيقي للروح والنفس والجسد، وقد أعطى الرب موهبة الشفاء لتلاميذه أيضًا: «وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ» (مرقس 6: 13)، لذا يمكننا النظر إلى سر مسحة المرضى على أنه استمرار لما فعله الرب يسوع تجاه المرضى أثناء حياته على الأرض. الأمر المهم أن السيد المسيح كان يشفي بكلمة وبأمر مباشر منه ويتم الشفاء في الحال، أما في السر فالأمر مختلف.

يخبرنا يعقوب الرسول في رسالته بشكل واضح عن ممارسة خاصة بشفاء المريض قائلًا: «أمريض أحد بينكم؟ فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب،...الخ» (يعقوب 5: 13-16). هنا يبدو واضحًا أنه لا يتكلم عن موهبة شفاء الأمراض، وإنما عن طقس خاص يتطلّب إتمامه وجود كهنة وصلوات ودهن بالزيت باِسم الرب وشفاء للمريض وغفران للخطايا. نحن إذًا أمام ممارسة كنسية معروفة، لإنه يكتب لمؤمني عصره عن شيء معروف لديهم؛ ومعروف أن التلاميذ فعلوا ما تسلّموه من الرب، فهم وكلاء أسرار الله لا مؤسّسوها.

أمّا إذا تجولنا في تقليد الكنيسة المبكر، فبالرغم من أن الكلام عن سر مسحة المرضى ليس موجودًا بكثرة في كتابات آباء الكنيسة في القرون الأولى، إلا أننا نستطيع أن نقول إن مسح المرضى بالزيت كان معروفًا في الكنيسة الأولى في الشرق والغرب، وهناك شهادات متنوعة من الوثائق الكنسية القديمة على تقديس الزيت واستخدامه في الشفاء، مثلما ورد في التقليد الرسولي، وفي خولاجي سيرابيون الشهير. كذلك قدم بعض آباء الكنيسة شهادات حول تقديس الزيت واستخدامه في الشفاء، فعلى سبيل المثال: العلامة أوريجانوس، القديس كيرلس الأورشليمي، القديس أغسطينوس، والقديس يوحنا ذهبي الفم. وبالرغم من أننا لا نملك شهادات عن البنية الليتورجية لصلوات السر في القرون الأولى، إلّا أنه منذ زمن بعيد هناك طقس ثابت ومعروف من خلاله يُتَمَّم سر مسحة المرضى (أنا لا أكتب هنا عن تاريخ السر وترتيبه، فلا المجال ولا المقام يتسع لمثل هذا الأمر هنا).

لكن الأمر المهم: ما هو دور السر في الشفاء الجسدي؟ وماذا لو لم يُشفَ المريض؟

بادئ ذي بدء، لا بد أن نقول إن عمل الأسرار روحي بالأصل ولكنه يؤثر في الجسد أيضًا لطبيعة العلاقة بين الروح والجسد، لإننا لا نستطيع أن نقسّم الإنسان أو نغفل العلاقة الوطيدة بينهما. سر مسحة المرضى ليس سحرًا، والتفكير في الأسرار لا ينبغي أن يكون عقليًا فقط، فالأسرار ليست رياضيات وليست خاضعة للعقل والّإ لن تكون أسرارًا، هي تعمل في الروح والنفس، إنها تخاطب القلب ويلزمها الإيمان أولًا ثم العقل.

سر مسحة المرضى مرتبط بفكرة الخلاص الأبدي والروحي كما في باقي الأسرار، والممارسة هنا ليست عملية آلية تجلب الشفاء، ولكنها تجعل الإنسان يشارك المسيح في الآمه وقيامته. إن فعالية السر بالأساس تركز على خلاص الإنسان المريض وشفاء النفس أولًا، أما الشفاء الجسدي فيحدث كنتيجة طبيعية لشفاء النفس عندما يكون المرض ناتجًا عن علّة روحية ونفسية، لذلك نجد أن صلوات السر في الطقس القبطي تستخدم تعبيرات تعني بالأكثر الشفاء الروحي وليس الشفاء الجسدي فقط، إنها تحثّ على التوبة وتطلب الصفح عن خطايا المريض وقبول مشيئة الله. والآية الواردة في (يعقوب 5: 15): «وصلاة الإيمان تخلص المريض والرب يقيمه»، سواء في النص اليوناني أو القبطي للعهد الجديد قد استخدمت الفعلان "يخلص، يقيم". إن فعل "يخلص" يعني إمّا شفاء المريض، إمّا خلاصة الأبدي، أمّا الشفاء الجسدي فهو الخطوة التالية سواء تمت أم لم تتم، أمّا عبارة "الرب يقيمه"، فهي تأخذنا إلى قيامة المسيح وذلك استعدادًا لقيامة الأموات في اليوم الأخير والتي ستكون قيامة وشفاء لكل إنسان.

وبالرغم من أن البعض يرى أن هناك علاقة بين الخطية والمرض، إلّا أننا ينبغي أن نؤكد أن ليس كل مريض هو خاطئ أو أن الخطية هي سبب مرضه، والآية الواردة في رسالة معلمنا يعقوب تقول: «وإن كان قد فعل خطية تُغفر له» (يعقوب 5: 15)، هنا الآية تعني أن الشخص ربما لم يفعل خطية، لكن إن كان قد فعل خطية تُغفر له. هناك أمراض عضوية خالصة ليس لها علاقة لا بالخطية ولا بالروح أو النفس وهي تحتاج الطبيب، وإقامة السر لمثل هذه الأمراض ليس بديلًا عن الطب ولكنه لإعطاء الشخص الهدوء والسكينة والتسليم لمشيئة الله الذي يمنح الشفاء بطرق ووسائل متعددة حسب تدبيره الإلهي.

الملاحظة الأخيرة أن الكنيسة القبطية تتمّم سر مسحة المرضى لكل الشعب في يوم معيّن من السنة الليتورجية وهو المعروف بجمعة ختام الصوم، بجانب إقامته لمن يرغب من المؤمنين في أي وقت من السنة.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx