اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5017 يونيو 2022 - 10 بؤونه 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 21-22

اخر عدد

داد (قصة قصيرة)

الانبا اندراوس

17 يونيو 2022 - 10 بؤونه 1738 ش

كان الأستاذ فهيم قد تزوج من السيدة مارسيل، وظلّا لسنوات بدون أطفال، وكانا يطلبان هذا الطلب في كل صلواتهما، وبعد سنوات طالت، وبعد بعض العلاجات، حملت مدام مارسيل وإن كانت قد تحمّلت آلامًا كثيرة في حملها.

وعند الولادة كان الاستاذ فهيم ينتظر بشوق وشغف أن يرى المولود الجديد، ولكنه اُستُدعِي على عجل وكانت مدام مارسيل قد تعبت جدًا في ولادتها وولدت بنتًا. دخل الأستاذ فهيم لتسلمه مدام مارسيل الطفلة المولودة وقالت له ضاحكة: "دي أمانة معاك"، ولفظت أنفاسها الأخيرة.

حزن الأستاذ فهيم جدًا، ولكنه اهتم كثيرًا بالمولودة الجديدة وقد فرح بها، وكانت الدكتورة أمينة أخت مدام مارسيل قد تعهدت الطفلة في كل شيء يخصّها لمساعدة الأستاذ فهيم الذي أرسل أحد الأشخاص لمكتب الصحة لاستخراج شهادة الميلاد باسم "راحيل فهيم"، ولكن موظف مكتب الصحة كتب الاسم بدون حرف الألف ولم ينتبه أحد لهذا الأمر، وهكذا سُمِّيت البنت باسم "رحيل".

عبرت السنون وكانت رحيل قد وصلت لسن المدرسة، ودخلت مدرسة للغات قريبة من البيت، وتعلمت رحيل أن كلمة "داد" تعني أب، فأحبت أن تنادي والدها دائمًا بكلمة "داد".

كان الأستاذ فهيم معروفًا بذكائه وحكمته، وكان يعمل مهندسًا في إحدى المؤسسات السيادية، ولشغفه بالتعليم وذكائه، كان يساعد بعض طلبة كلية الهندسة في علم الميكانيكا، والبعض الآخر في الثانوية العامة في الرياضيات، وكل هذا كان مجانًا ونوعًا من المحبة للجميع.

وكانت الدكتورة أمينة وهي أستاذ مساعد بكلية الآداب قسم علم النفس، لا تتأخر عن مراعاة رحيل والاهتمام بالأستاذ فهيم.

أيضًا كانت رحيل طفلة بذكاء شديد وسرعة بديهة مع ملامح جميلة وخفة الروح، وكان الأستاذ فهيم يستأنس بها كثيرًا.

كبرت رحيل بعض الشيء ووصل سنّها لحوالي الثامنة من العمر، وفي هذه السن تعلمت أن تعد الشاي مع البسكويت للأستاذ فهيم، وكانت تضحك معه وهي تقدم له الشاي: "أنت والدي وأنا أمك"، وكانا يضحكان من ملء القلب.

يومًا طلعت رحيل إلى الدور الرابع والذي لم يكتمل بناؤه، إلى عشة الدجاج، ووجدت بيضة ففرحت بها جدًا، وأخذتها للأب فَرِحة، وأفهمها الأستاذ فهيم أن تترك بعض البيض للدجاجة  التي تريد أن ترقد على بعض البيض.

كانت الدكتورة أمينة تحب رحيل جدًا، ورحيل أيضًا كانت تعتبرها أمها وتحبها جدًا، وأهدتها فستانًا سماوي اللون، ففرحت به رحيل جدًا وكانت تلبسه في ذهابها للكنيسة والمناسبات وحتى في البيت أحيانًا.

 ويومًا صعدت راحيل لعشة الدجاج لتجد عددًا من الكتاكيت الصغيرة حول الدجاجة الأم، وفرحت رحيل بالكتاكيت الصغيرة وكانت ترعاهم بفرح.

وبعد فترة طلبت رحيل من أبيها أن يُحضر لها بعض الحمام لتعتني به مثل الدجاج، ولأن الأستاذ فهيم لم يتأخر يومًا في طلب لرحيل فقد أحضر لها بعض أزواج الحمام، واهتمت بهم رحيل وبدأت ترعاهم مع الدجاج بنوع من الاهتمام والفرح.

وتعلقت رحيل بإحدى الحمامات والتي كانت ناصعة البياض، وحتى الحمامة كانت تستجيب لمشاعر محبة رحيل وتنام بين يديها في اطمئنان، وكانت رحيل توزّع اهتمامها بين الدجاج والحمام الذي كانت تحب العناية به ورعايته.

وفي أحد الأيام كان الأستاذ فهيم مع طلبته الذين كان يساعدهم، وكان المطر ينهمر بغزارة شديدة، وطلعت رحيل إلى السطوح لتطمئن على الدجاج والحمام، ولكنها وجدت الحمامة البيضاء على شيش الشباك، وحاولت أن تدفعها بأيّة طريقة للدخول إلى عش الحمام، ولكن الحمامة ظلّت واقفة في وسط هذا المطر! فصعدت رحيل على طرف الشباك لتمسك بالحمامة البيضاء وبالفعل أمسكتها، ولكن رجلها انزلقت من المطر وسقطت رحيل من الدور الرابع..

سمع الأستاذ فهيم أصوات همهمة تأتي من الشارع، فنادى على رحيل ولم ترد عليه، ففتح الشباك ونظر وإذا رحيل مُلقاة في الشارع والدم ينساب من رأسها.. نزل الأستاذ فهيم بسرعة إلى الشارع، ومدّ يده لرحيل التي كانت في أنفاسها الأخيرة. قالت بصوت خافت: "آسفه داد.. الحمامة البيضاء.."، ولم تكمل كلامها، فقال في الحال: "لم أحافظ على الأمانة".. أُغمِي عليه وظل ثلاثة أيام فاقدًا الوعي، لا يأكل ولا يأخذ حتى الأدوية التي يحتاج إليها، وأغلق الأستاذ فهيم الشبابيك وأسدل الستائر، ووزع الدجاج والحمام الذي كان بالسطوح، وواظبت الدكتورة أمينة على رعاية الأستاذ فهيم الذي دخل في حالة اكتئاب.

وكان أيضًا بعض الطلبة الذين يساعدهم يزورونه ويطيّبون خاطره، وقد لاحظوا في بعض الأوقات أن الأستاذ يسترق السمع، فسألوه، فقال: "إن رحيل تناديني بـ"داد" كما كانت تناديني".

وبعد أيام وجدوه يفتح عينيه ويتجه بنظره إلى موضع معيّن، وعندما سألوه قال: "رحيل تأتي إليّ وأراها في فستانها السماوي".. ومرة وجد أحد الطلّاب الأستاذ يتجه نحو القبور، فسأله: "إلى أين أنت ذاهب في هذا الوقت؟"، فردّ عليه سريعًا: "معي موعد مع رحيل".

علمت الدكتورة أمينة بما يجري للأستاذ فهيم، وشخّصت الأمر بأن الحزن الشديد والمفرط أدخل الأستاذ في هلاوس سمعية وبصرية.

وبعد أيام ليست كثيرة، فتحت الدكتورة أمينة على الأستاذ فهيم حجرته، فوجدته يحتضن الفستان السماوي الخاص برحيل وقد فارق الحياة..

سأل أحد الطلبه ممن كان يساعدهم الأستاذ أب اعترافه: "ما كل هذا الرحيل والألم؟"، فأجابه أب الأعتراف: "ليس عندي إلّا ما قاله رب المجد يسوع لمعلمنا بطرس: ستفهم فيما بعد"...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx