اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5001 يوليه 2022 - 24 بؤونه 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 23-24

اخر عدد

إذ صار عند المكان

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

01 يوليه 2022 - 24 بؤونه 1738 ش

لمّا أعطانا السيد المسيح مثل السامري الصالح قال: «وكذلك لاوي أيضًا إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله» (لو10: 32). وكان يقصد بعبارة «إذ صار عند المكان» المكان الذي تُرك فيه الرجل المسافر من أورشليم إلى أريحا مُعرّىً، ومجروحًا، ومتروكًا بين حيّ وميت. ما هو يا ترى هذا المكان الذي لا بد أن يصير عنده كل واحد منّا مُمثَّلًا في هذا اللاوي؟ إنه بلا شك ذاك الموضع الذي قيل عنه: «ولما مضوا إلى الموضع الذي يُدعى جمجمة صلبوه هناك» (لو23: 33). فهو كل مكان يوجد فيه المسيح مصلوبًا، عريانًا، مجروحًا بين الحياة والموت، داخل كل نفس مثقلة بصليب العوز، والفقر، والمرض، والضيق، والظلم، والنبذ، والتهميش. فكم من مرات عديدة يصيِّرنا الروح القدس -مثلما صيَّر القيرواني- عند ذاك "المكان" ليس عن صدفة ولكن بقصد وتدبير إلهي حكيم. وكم من مرة نتمثّل بذاك اللاوي متخذين نفس موقفه من جهة شركة آلام المسيح إذ ننظر ثم نجوز مقابله معتفين.

ومنذ القدم، في أيام موسى النبي، أوصانا الرب قائلًا: «احترز من أن تُصعد محرقاتك في كل مكان تراه. بل في المكان الذي يختاره الرب في أحد أسباطك. هناك تصعد محرقاتك وهناك تعمل كل ما أنا أوصيك به» (تث12: 13-14). يعني ذلك أن المحرقة لا بد أن تُصعد في المكان الذي يختاره الرب ويصيّرنا إليه مثلما قيل عن اللاوي: «إذ صار عند المكان». بالتالي تكون كل ذبيحة جهاد روحي، وإماتة، وعمل رحمة مفرغة من مضمونها ومعناها ما لم تُقدَّم هناك عند موضع الصليب. فالصليب هو نقطة ارتكاز المسيحي الحقيقي ومحور إنسانه الجديد الذي يستمد منه قانونية كل جهاد وعمل. إنه «يتمسك بالرأس» (كو2: 19) عاملًا بقول السيد المسيح: «وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي» (يو12: 26). وهل يوجد المسيح في موضع آخر سوى "المكان" أي الصليب؟ أمّا من يستحسن أن يُصعد محرقاته في أي موضع آخر بخلاف "المكان" فإنه ينطبق عليه قول الرسول: «إذًا إن كنتم قد مُتُّم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون في العالم تُفرض عليكم فرائض. لا تمس ولا تذق ولا تجسّ التي هي جميعها للفناء في الاستعمال. حسب وصايا وتعاليم الناس التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية" (كو2: 20-23).

نتوسل إليك يا روح الله القدوس أن تنتشلنا من تيه برية الذات والعالم وتصيّرنا عند ذاك "المكان". فلتجذبنا جميعًا إلى ذاك الذي ارتفع عن الأرض إذ تأتي بنا إلى ذاك "المكان". ففي ذاك المكان وحده  يشتم الآب الصالح الذبيحة المقبولة في المسيح ابنه المصلوب المعرى المجروح!!




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx