اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5015 يوليه 2022 - 8 أبيب 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 25-26

اخر عدد

نياحة الأرخن الشماس الدكتور / نصحي عبد الشهيد بطرس
عاشق كتابات آباء الكنيسة الجامعة


دكتور/ ميشيل بديع عبد الملك رئيس قسم الموسيقى والألحان بمعهد الدراسات القبطية

15 يوليه 2022 - 8 أبيب 1738 ش

في يوم السبت الموافق 2 أبيب 1738 للشهداء / 9 يوليو 2022م، والذي يوافق عشية احتفالات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بنياحة البابا كيرلس الأول عمود الدين ورئيس أساقفة كنيسة الأسكندرية، ودّعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى كنيسة الأبكار الأرخن المجاهد والشماس المكرس البتولي الدكتور/ نصحي عبد الشهيد بطرس مدير المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ورائد حركة التكريس البتولي بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عن عمر ناهز 91 عامًا (1931–2022)، ليسكن إلى الأبد في مساكن النور التي لا تبلى ليسبح الحي إلى أبد الآبدين.

وُلِد الشماس الدكتور نصحي عبد الشهيد في 28 سبتمبر 1931 بمدينة الأقصر من عائلة مسيحية قبطية عريقة محبة للمسيح، وربّاه والداه منذ صغره على تعاليم الكتاب المقدس والمواظبة على حضور القداسات الإلهية، فكان ينصت باهتمام للقراءات الكنسية، وتعلّق بسير حياة أباء الكنيسة النساك كالقديس الأنبا أنطونيوس الكبير والقديس الأنبا مقاريوس الكبير، واشتهى منذ صغره حياة النسك والبتولية. عشق حياة الصلاة منذ صغره فكان يمارسها على انفراد في مخدعه مقدمًا حياته للمسيح ذبيحة تسبيح وشكر لله من خلال الصلاة اليومية بلجاجة. تعلم الالتزام والجدية في حياته الروحية التي نذرها للمسيح منذ صغره. عندما أنهى تعليمه الابتدائي وحصوله على البكالوريا، التحق بدراسة الطب بجامعة القاهرة، وفي هذه الأثناء تعرف على القادة الروحيين بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية كالمتنيح القمص/ ميخائيل إبراهيم واتخذه مرشدًا روحيًا وأبًا للاعتراف له. وكان يتردّد على زيارات الأديرة القبطية وخاصة دير السريان العامر. اجتذبته حياة البتولية نتيجة التصاقه بآباء البرية المصرية، فنذر حياته كلها للمسيح في تكريس كامل وبتولية كاملة، وكان يطيب له ترديد كلمات الترنيمة التي تقول: "احفظ حياتي ليكون تكريسها يا رب لك، واحفظني دومًا شاكرًا طول الزمان عملك. وإحفظ يدي محرِّكا لها بحبك العظيم. واحفظ خُطى رجلي في سلوك طرقك القويم". بعد أن تخرج من كلية الطب، عمل لفترة قصيرة كطبيب ثم صمّم على قطع كل ما يربطه بالعالم، وبدأ مسيرة التكريس البتولي تحت إرشاد القادة الروحيين له. درس بالكلية الإكليريكية بالقاهرة وحصل على شهادة التخرج وتسلمها من يد القديس البابا كيرلس السادس.

كانت حياة الصلاة هي غذاؤه الروحي اليومي، وكان يصلي من أعماق قلبه في صراخ لله بغير فتور، وكان ينشد ترتيلة عشق كلماتها ولحنها والتي تقول: "تعالَ بيننا / أقِم عندنا / وخُذ من قلوبِنا لَكَ مَسكِنا. هَب لنا عيونًا تَرنو إليك/ واجعَل حياتَنا مُلكًا لدَيك / فنَعرِفَ طَعمَ الهنا / ألا استَجِب منا الدُعاء. أمحُ الضغينَةَ من صدورِنا / وازرع كلامَك في ضميرِنا / فَنَحصُدَ حُبَّ العَطاء / ألا استَجِب منا الدُعاء. نحن جياعٌ أنتَ خُبزُنا / نحن عِطاشٌ أنت ماؤنا / فمنكَ يَطيبُ الغِذاء / ألا استَجِب منا الدُعاء" والتي أصبحت بالنسبة له هي مدخل الصلاة حتى آخر لحظة من حياته على الأرض.

بدأ مسيرة التكريس البتولي في بيت التكريس بحلوان وعاش مع المكرسين حياة الشركة تحت إرشاد الأب الروحي لهم القمص متى المسكين. كانت حياتهم هي خدمة الكلمة فكانوا يجولون القطر المصري ينشرون كلمة الله وهم يعيشون الفقر الاختياري الكامل، تاركين ورائهم شهوات وأمجاد العالم. بدأ الدكتور نصحي في خلوته الروحية في قراءة كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" ووقعت عيناه على النصوص الآبائية التي تتحدث عن الصلاة كحياة، فتوجه إلى دير الأنبا صموئيل لمقابلة القمص متى المسكين الذي قام بتجميع أقوال آباء الكنيسة عن الصلاة وأصدرها في كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية"، ليسأله عن آباء الكنيسة وكيف يجد كتاباتهم، والذي أرشده إلى أن كتابات آباء الكنيسة هي عبارة عن كتابات "آباء ما قبل نيقية 325م، وآباء نيقية، وآباء ما بعد نيقية". للحال تمكن من الحصول على نصوص آباء الكنيسة من الخارج بمبلغ زهيد، وبدأ يقرأ بشغف كتابات الآباء. استهوته كتابات آباء مدرسة الإسكندرية مثل القديس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الإسكندري. كما استهوته رسائل القديس الأنبا أنطونيوس وعظات القديس مكاريوس الكبير وبدأ في ترجمتها إلى اللغة العربية. ولكنه بدأ في التفكير في تأسيس مركز للدراسات الآبائية لترجمة كل تعاليم وأقوال آباء الكنيسة إلى اللغة العربية، فكان يصلي إلى الله لإرشاده لبداية الطريق، ولأن فكره وهدفه كان نقيًا، لذلك "أعطاه الله حسب قلبه"، وبدأ يطرق باب قادة الكنيسة القبطية الروحيين للاستشارة والإرشاد مثل المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف ونيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، بالإضافة إلى قادة خدمة مدارس الأحد مثل المتنيح الدكتور وليم سليمان، والمتنيح الدكتور سليمان نسيم، والمتنيح الدكتور موريس تواضروس وآخرين، جميعهم أيّدوا الفكرة، وبإيمان كامل علم أن روح الله سيرشده إلى بدء هذا العمل.

في عام 1979 تقابل مع المتنيح الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد أستاذ اللغة اليونانية بجامعة القاهرة قسم "الفيلولوجي"، والذي كان يعمل أيضا مترجمًا في السفارة اليونانية بالقاهرة، وكانت أحيانًا تستعين به المخابرات المصرية للقيام بالترجمة من اليونانية إلى العربية في استجوابها لبعض المهاجرين غير الشرعيين من اليونان إلى الأراضي المصرية. أرشده الأستاذ صموئيل لمقابلة المطران داميانوس رئيس أساقفة دير سانت كاترين بسيناء، وتقابل معه في القاهرة وفاتحه في فكرة إرسال مبعوثين من مصر لدراسة نصوص آباء الكنيسة من اللغة الأصلية اليونانية. رحّب المطران بالفكرة وطلب منه السفر معه إلى أثينا للحصول على منح دراسية، وفوجئ وهو في الطائرة بأن أحد المسافرين على نفس الطائرة أحد كبار أساتذة العهد الجديد بكلية اللاهوت جامعة أثينا وهو البروفيسور "سافاس أغوريدس". تحدث معه بالإنجليزية عن فكرة إرسال مبعوثين من الكنيسة القبطية لدراسة العلوم اللاهوتية واللغة اليونانية القديمة بكليات اللاهوت باليونان بهدف ترجمة أقوال آباء الكنيسة للغة العربية من اللغة اليونانية. تم قبول الفكرة وبدأ أولى خطوات تأسيس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بإرسال أول 3 مبعوثين عامي 1980/1981 وهم "ناجي حنين، وهيب قزمان، ميشيل بديع عبد الملك". توالت بعد ذلك البعثات الدراسية حتى عام 2005م ووصل عدد الدارسين باليونان خلال هذه الفترة ما يقرب من 15 مبعوثًا. تم شراء مكان للدراسة والبحث في مصر الجديدة. وبدأت مسيرة ترجمات نصوص آباء الكنيسة التي قام الباحثون بالمركز بترجمتها ووصل عددها حتى الآن ما يقرب من 230 إصدارًا لترجمات آباء الكنيسة. كان الدكتور نصحي يشارك الباحثين بالترجمة بنفسه ويقوم بمراجعة جميع الترجمات التي يقوم بها الباحثون.

في شهر يونيو 2013 قام قداسة البابا تواضروس الثاني –أطال الله حياته– بتكريم الدكتور نصحي عبد الشهيد بطرس باسم المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لخدماته الكبيرة في نشر تعاليم آباء الكنيسة، وذلك أثناء عقد مؤتمر الكليات الإكليريكية والمعاهد اللاهوتية بالأنافورا. إن هذا التكريم هو في الواقع يُعتبر وسامًا على صدر جميع الباحثين بالمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة في شخص المتنيح الشماس الدكتور نصحي عبد الشهيد بطرس.

نطلب له النياح في مساكن النور وهو يسكن الآن في أرض الودعاء حيث يقول الرب يسوع المسيح: «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض».




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx