اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة الحادية الأربعون08 مارس 2013 - 29 أمشير 1729 شالعدد 9و10

اخر عدد

ماذا لو لم يصر البابا بطريركا؟

08 مارس 2013 - 29 أمشير 1729 ش

ماذا لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء، أعتقد أن قداسته إذا لم يدخل الترشيحات البابوية بعد نياحة البابا كيرلس السادس في مارس 1971م لكان من المحتمل أن يكون دوره في الكنيسة:

1- أب رهبنة: على غرار القديس الأنبا أنطونيوس، فهو يجمع في شخصه مفردات الراهب القبطي كما رسمه الآباء الأولين، فقد عشق حياة الرهبنة فكرًا ولغة وسلوكًا، وقد لاحظ القريبون منه، أنه يسلك ببساطة الراهب داخل مسكنه الخاص، من جهة الطعام والثياب ومقتنياته، وبُعده عن أكثر مظاهر التكنولوجيا والمدنية، إضافة إلى حيائه الشديد وهو صفة رهبانية أساسية، وقد كتب عن الرهبنة وتحدث عنها وخبر دروبها، وحفظ مئات من الأقوال وقصص الآباء، والآباء الذين تتلمذوا على يديه في الدير عاشوا معه هذه الخبرة، كما ترفّق كثيرًا بالرهبان الذين عانوا من المتاعب، كما كان يقضي يومين أو ثلاثة أسبوعيًا في البرّية.

2- شاعر وأديب: على غرار مار أفرام السرياني وماريعقوب السروجي، فقد كتب أجمل شعر مسيحي تصوّفي في التاريخ الحديث، وظل محتفظًا بهذا الحس المرهف حتى آخر حياته لتأتي قصيدته الرائعة "أحبك يارب" خلال مرضه الأخير وإقامته في المستشفى، وقد أثّرت قصائده في الشعب كما أثّرت عظاته، بل وقد نالت إعجاب الكثير من المسلمين مثلما هام بها المسيحيون، كذلك فقد كان قصّاصًا ماهرًا يمتلك أدوات القصة، وله عدة قصص تحولت إلى دراما منذ سنوات قليلة، أشهرها وأعظمها قصة "أبونا أنسطاسي".

3- أستاذ اللاهوت والعلوم الكنسية الأخرى: لا سيما وقد كان متفوقًا في دراساته هذه، كما كانت لديه مهارة التدريس (أي أنه كان عالِمًا ومعلِّمًا وهي ميزة نادرة)، يُضاف إلى ذلك نقاوة تعليمه واعتماده الدائم على آيات الكتاب المقدس لتأييد آرائه، وقد ظلّ حتى أخِر حياته مسئولًا عن المعاهد اللاهوتية بكافة أنواعها، وبينما كانت محاضراته للشعب بسيطة وعامة وحيوية، فقد كانت له في المقابل محاضراته اللاهوتية العميقة، وزاد عدد فروع الإكليريكة في فترة حبريته كثيرًا، وفي أيامه كانت الكنائس الأرثوذكسية الأخرى تأنس إلى رأيه وتستند عليه كثيرًا.

4- واعظ شعبي: على غرار القديس يوحنا ذهبي الفم، كان ممتعًا لطيفًا مداعبًا يعرف كيف يسلب ألباب سامعيه من جميع الطبقات، ولقد حفظ الكثير من الناس عظاته وتعبيراته ودعاباته أثناء العظات، ورددوا تعبيراته كما هي، بل لقد تحققنا أن عددًا كبيرًا من إخوتنا المسلمين كانوا يتابعون عظاته أيام الأربعاء على الفضائيات عن كثب، وكانت له مقدرة على التحدث في أي موضوع، بل لقد صرح ذات مرة أن المشكلة التي واجهته في السنوات الأخيرة هي "عنوان العظة". قال إنه تكلم في كل شيء وإنه يحتاج فقط إلى عنوان وحينئذ يعرف ماذا يقول تحت العنوان! هذا ويُقدَّر عدد العظات المنسوبة له ما يزيد عن الخمسة آلاف عظة في كافة المجالات، وقد أعطى اهتمامًا كبيرًا لكلٍ من اجتماع الأربعاء الأسبوعي الخاص به، وكذلك مجلة الكرازة، وكان يعتبرهما نافذة أساسية يطل على الشعب من خلالهما.

العجيب أنه كان يمتلك كل هذا، وولذلك فقد نجح أيضًا كأب بطريرك، ولما سألناه ذات مرة ماذا لو عادت عقارب الزمن إلى الوراء ماذا عساه كان سيختار إطارًا يحيا فيه، أجاب على الفور: "مغارتي" ولكنه أضاف أنه لا يهرب من المسئولية، وأضاف أنه قد اُضطُر إلى الدخول في دروب ما كان يتمنى ولوجها، ولكن فرضتها طبيعة وظيفته الكهنوتية ولم يكن من مفر، ولذلك يُذكَر له أيضًا أنه كان يحترم كثيرًا رغبة الراهب في عدم تركه الدير للنزول الخدمة في العالم، أو رغبته في العودة من العالم الى الدير.

هكذا يمكن القول أن كل ميزة من مميزات البابا شنوده الثالث يمكن أن تصنع "أبًا بطريركًا ناجحًا"؛ فهو الراهب العمّال، واللاهوتي الصحيح، والواعظ المفوّه، والكاتب المتمكّن، حتى ليمكن أن يُطلَق عليه بحق "بطريرك الشعب أو الشارع" (إن جاز التعبير).

رحل البابا شنوده وكأنه لم يرحل، توارى بالجسد ولكنه ملء الأسماع والأنظار والأفكار، ترك كمًّا هائلًا من المواقف والتفاعلات والقرارت، وثار حول شخصيته الكثير من الجدل، ولكنه في النهاية يفرض نفسه بدون قصد على الشارع القبطي


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx