اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة الخامسة والأربعون14 يوليه 2017 - 7 أبيب 1733 ش     العدد كـــ PDFالعدد 27-28

اخر عدد

تأنوا على الجميع

قداسة البابا تواضروس الثانى

14 يوليه 2017 - 7 أبيب 1733 ش

الفعل يتأنى هو أحد الأفعال الإنسانية الراقية، ويتعلمه الإنسان من الطبيعة قبل أن يتعلمه من الله. مثلًا حين نزرع النبات، نضع البذرة وننتظر ربما شهورًا وأحيانًا سنين، مثل النخلة التي قد تحتاج عشرين سنة في الأرض قبل أن تطرح ثمارها. على مستوى الإنسان أيضًا نتعلم التأني من الجنين البشري الذي يحتاج تسعة شهور قبل الولادة.

الله هو صاحب طول الاناة الأول، هو صاحب سعة الصدر وضبط النفس. والله يعلمنا طول الأناة في أمثلة كثيرة جدًا في الإنجيل، لدرجة أنه يقول: «الرَّبُّ طَويلُ الرّوحِ كثيرُ الإحسانِ» (عدد14: 18). ونرى طول أناة الله مع شعب نينوى، والذي كانت طول أناة الله سبب توبتهم، وصارت قصة أهل نينوى المثال الأروع في توبة شعب بأكمله. وفي المقابل يذكر لنا الكتاب كيف أن فرعون مصر لم يرد أن يطلق الشعب رغم الضربات العشر التي ضرب بها الله أرض مصر، حتى أصبح فرعون مثالًا لقساوة القلب.

من الآيات الجميلة في رسالة رومية: «أم تستَهينُ بغِنَى لُطفِهِ وإمهالِهِ وطول أناتِهِ، غَيرَ عالِمٍ أنَّ لُطفَ اللهِ إنَّما يَقتادُكَ إلَى التَّوْبَةِ؟» (رو2: 4)، ومن الأمثلة المشهورة التي نحبها مثال شاول الطرسوسي، الذي كان يقف أمام المسيحية الوليدة بكل عنف، ولكن الله يريده إناءً مختارًا، فيطيل أناته عليه حتى أبواب مدينة دمشق حيث تغير وتبدل وصار إنسانًا جديدًا.

وفي العهد الجديد نسمع عن الرجل الذي كان يذهب إلى أرضه ولا يجد في التينة ثمرًا لمدة ثلاث سنين، فأمر بقطعها، ولكن الفلاح الذي يفلح الأرض طلب من صاحب الأرض أن يتركها هذه السنة الرابعة لعلها تثمر (لو13: 6-9).

كم أن طول الأناة يجعلنا نكسب الآخرين، ما أسهل أن يصدر مسئول قرارًا أو أمرًا وينتهي الموضوع، لكن طول الأناة يساعد أنه يكسب الآخرين، لذلك انتبهوا أننا كل يوم نصلي في باكر: «أسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دُعيتم إليها، بكل تواضع القلب ووداعة وطول أناة...». الله يذكرنا في أول صلاة كل يوم أن نسلك بالدعوة التي دُعينا إليها بكل تواضع ووداعة وطول أناة.

طول الأناة يستطيع أن يغلب الشياطين، نسمع عن الأم ساره، وهي قامة من القامات الروحية في تاريخ الرهبنة في مصر، أن شيطان عدم الطهاره حاربها مده 12 أو 13 سنة، وكانت تثبت في تدريباتها الروحية حتى تقف أمام هذه الحرب، وانتصرت في النهاية.

طول الأناة يخلصك من خطية الاندفاع والتسرع، وهي خطية مشهورة جدًا الآن، فنحن في عالم السرعة، كل شيء يتم بسرعة، والأجهزة التي معنا تحقق لنا هذا. حتى أصبح هناك مرض عند الإنسان المعاصر يسمونه nowness يعني الآنية! طول الأناة يعالج الإنسان من التسرع والاندفاع، ويجنبه الندم.

كيف يكون الإنسان صاحب طول أناة؟

1) التأني في الحياة الروحية:

عندما يريد الإنسان أن يطرد خطية ما من حياته، يحتاج إلى صبر، كذلك إذا أراد أن يتخلص من عادة رديئة، لا يمكن أن يحدث هذا بين يوم وليلة، ولكن من خلال برنامج بمشورة أب الاعتراف، وتدريبات روحية، وممارسة العبادة والأصوام والصلوات والتأمل. الإنسان في بداية حياته الروحية كأنه يأخذ دواء، وعادة لا يسعد الإنسان بأخذ لأدوية. وبعدما يتقدم في حياته الروحية، ييتحول الممارسات من دواء مر إلى ما يشبه البقول، الطعام الذي يبني، وبعد فترة كافية تتحول الحياة الروحية كأنها كالفاكهة، طعمها حلو.

حينما تصلي، فإنك تطرح طلبتك أمام الله الذي يرى هل هذا الطلب في صالحك أم لا، وهو يقرر زمان الاستجابة، لكن المهم أن تستمر في الصلاة بشكل متواتر.

2) التأني في الحياة الجسدية

تمتع الإنسان بفضيلة طول الأناة هو أحد الأمور التي تخفّف حدة الألم والمرض. حتى في طعامنا اليومي، عملية المضغ تساعد الإنسان على الهضم والاستفادة من الطعام، فالتأني مطلوب حتى في تناول الطعام. أيضًا في محيط المعاملات، كلنا نغضب أو نحزن أو نتضايق، لكن طول أناتك يخرجك من هذا الفكر أو هذا الإحساس سريعًا.

3) في مجال الحياة الأسرية

يقول القديس بولس في أنشودة المحبة: «المَحَبَّةُ تتأنَّى وتَرفُقُ» (1كو13: 4)، لاحظوا ارتباط الكلمتين مع بعضما، التأني والرفق. وهذا يتضح لنا جدا في مجال الحياة الأسرية، ففي بداية الزواج من الطبيعي ألّا يتفاهم الزوجان بشكل كامل، وأحيانًا تظهر بعض المشكلات الصغيرة، ولكن طول الأناة لديهما يحقق ثبات هذه الزيجه. طول الأناة يعطي نوعًا من التكيُّف، هو يتحملها وهي تتحمله. أتذكر أنه أثناء خدمتي كأسقف قابلت زوجين لم يعطهما الله نسلًا، وكنت كل سنة أقابلهم وأطيب خاطرهم، وأقول لهم أنا واثق أن ربنا سيعطيكم في وقت من الأوقات. وبعد أربع وخمس سنوات رزقهم الله طفلًا، فوجئت أن الزوجه قالت لي إن الله لم يعطهم أطفالًا بسرعة لأنهما لم يكونا على وفاق، فانتظر وأطال أناته حتى عرفا بعضهما البعض جيدًا، وهكذا يستطيعان أن يربيا أطفالًا بخوف الله. طول الأناة في محيط الحياة الأسرية هو العامل الرئيسي في تربية أولادنا وبناتنا، فاستخدام العصا أو الكلمات الصعبة أو الحادة أو أسلوب الإهمال لا يصلح أبدًا في تربية أبنائنا. مره قال لي شاب يشغل مركزًا مرموقًا أنه عذّب والديه بشقاوته وهو طفل، ولولا أنهمأ أطالا بالهما عليه، ولم ييأسا من نصحه، مرة بالهدوء، ومرة بالكلام والحوار، لولا طول أناتهما لما كان قد وصل للمكانة التي شغلها.

أيضًا أبناؤنا في مرحلة المراهقة، التي هي مرحلة المشاكل والمشاغل، يحتاجون منا ومن المربين بصفه عامة إلى طول الأناة حتى يجتازوا هذه المرحلة. طول الأناة تحفظ من الفشل.

4) في محيط الحياة الاجتماعية

في الصداقة والعلاقات الإنسانية دائمًا نتعرض لضعفات الآخرين، هناك سقطات البعض، ومن لا يكونوا على مستوى الصداقه، أو من يجرح صديقه... الخ. الصداقه هي قمه العلاقات الإنسانية غير الرسمية، فنحن كبشر عندنا نوعان من العلاقات: علاقه إنسانية غير رسمية وهي الصداقة، وعلاقة إنسانيه رسمية اسمها الزواج. وكلا العلاقتين -الزواج والصداقة- يحتاجان لطول الأناة لكي تكسب الرفيق الذي معك. الصداقة تحمي كل علاقة حتى الزواج والأخوة. الحياه الاجتماعية تحتاج المحبه التي تتأنى وترفق، تحتاج طول الأناة.

4) في محيط الحياة الكنسية

في الكنيسة كمجتمع، مهم جدًا أن يكون لنا البال الطويل، سواء في خدمة من نخدمهم، أو من نخدم معهم. طول الأناة يعني أن تثق أن الله يستطيع أن يغير النفوس، وهذا شيء مهم جدًا في الإنسان وعلاقته في داخل الكنيسة. إيّاك أن تصف إنسانًا أنه غير صالح طوال الوقت. ثق أنك لو رفعت صلاة من أجله، واستطعت أن تكون طويل البال، فسيمكنك أن تأتي بثمر، وربما لأجل تعبك وصلاتك قد يغير الله قلب الآخر ويعدّل في حياته. طول الأناة مطلوب من الأب الأسقف، ومن الأب الكاهن، مطلوب من الخادم، من أمين الخدمة، فأحد عوامل النجاح هي الإدارة بطول أناة، فهي تأتي بثمر كثير جدًا.

هذه هي اللؤلؤه الخامسة «تأنوا على الجميع»، في سلسله اللآلئ التي يقدمها لنا القديس بولس الرسول في حياتنا وسلوكياتنا المسيحية. 


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx